الحسين (ع) ما يزال يكرم الانسانية بالعطاء
|
*يونس الموسوي
كتب إبن تيمية كتاباً أطلق عليه إسم (رأس الحسين) وقد شكك في هذا الكتاب في وجود رأس الإمام الحسين عليه السلام في مصر، واستدل بدلائل وأمور، غير إنه عاد وشكك في أصل فكرة التوسل بأولياء الله والأئمة الأطهار عليهم أفضل الصلاة والسلام وزيارة أضرحتهم المقدسة.
وبغض النظر عن حقيقة رأينا في مسألة عودة رأس الحسين عليه السلام إلى كربلاء أو دفنه في مصر أو في أي مكان آخر، فان قضية الإمام الحسين عليه السلام لاتبحث بهذه الصورة، لأننا سنبقى عاجزين عن فهم أية قضية متعلقة بالحسين عليه السلام ومنها اللطم على الصدور وضرب الظهر بالسلاسل، إذا لم نعرف الحسين عليه السلام بشكل جيد.
إن الذين حاربوا الحسين وحاربوا شعائره بدعوى التحضر ومواجهة البدع والخرافات، وفيهم بعض الشيعة، هم لم يعرفوا الحسين عليه السلام ولم يدركوا حقيقة دوره في الحياة وفي الوجود، هم بحسب عقولهم البسيطة أرادوا تحويل قضية الحسين عليه السلام إلى قضية عقلانية صرفة، بينما هذه قضية غيبية، أحبكت مشاهدها وصورها في عالم الغيب، وليس للبشر أي تأثير أو تغيير في هذا الجانب.
فليكتب إبن تيمية أو غيره آلاف الكتب ضد الحسين عليه السلام ولتناد جميع الأبواق المعادية لخط أهل البيت عليهم السلام وليزمر كل من والاهم، فالحسين بارادة الله تعالى سيبقى رغم أنوف الجميع وستبقى شعائره تربك كل العروش وكل المنافقين وكل من والاهم من المتزلفين الذين وقفوا ضد الشعائر الحسينية.
الحسين صنيعة الله تبارك وتعالى، وقصته قصة سماوية رفع لواءها الإنجيل والتوراة والقرآن، ومن أراد الإنجيل والقرآن فليقرأ الحسين عليه السلام وليطالع في كل حروفه وكلماته، إذا لم يجد في حرف من حروفه شيئاً مقدساً، فليقل ما يشاء، كيف وهو قد سجل بدمه قيمة لكل قيم السماء، لقد سجل الحسين عليه السلام بأوصال جسد إبنه الرضيع قيمة الجهاد. لقد سجل أبو عبدالله عليه السلام في كل بقعة من جسده وجسد أصحابه المقطعات قيمة للصلاة، لقد سجل الحسين عليه السلام بنحر علي الأكبر عليه السلام قيمة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لقد سجل أبو الأحرار عليه السلام بأكف العباس المقطوعتين قيمة الدفاع عن المظلوم. لقد سجل أبو الشهداء عليه السلام بأوصال القاسم المقدسة قيمة الدفاع عن العدالة. لقد سجل الحسين عليه السلام بدمائه الطاهرة وهو الإمام المعصوم كيف ينبغي للإمام المقتدى التضحية بنفسه وماله وعياله وأصحابه في سبيل إعلاء كلمة الدين.
قال لي صاحبي:
أن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام هو الذي سبق الإمام الحسين عليه السلام الصلاة في وقت الحرب، قلت له: ولكن صلاة الحسين كانت هي أبرز، لأن الإمام الحسين عليه السلام سجلها وكتبها بدمه ودم أصحابه، ولذلك فقد خلدها الله سبحانه وتعالى مع الخالدين، إن الذي يقرأ الحسين عليه السلام سيعجز فكره عن حل ألغاز هذه المعجزة الخالدة، لقد ظل الحسين عليه السلام شامخاً رغم محاولات إخفاء ضوء الشمس. إستمر ذكره في الأولين والآخرين، وإرتفع شعاره على مدى السنين، وهذا هو العراق شهد تساقط كل الذين ركزوا جهودهم لطمس معالم النهضة الحسينية او التلاعب بشخصية الامام الحسين عليه السلام. ارادوا للمرقد الشريف وما بقي من ذكر ومعالم حسينية في كربلاء المقدسة، مجرد تراث وتاريخ يحتفى به للسائحين، وليس مدرسة للاجيال والطامحين للعلى والسمو، وهو ما كان وسيكون الى يوم القيامة.
هذا هو الحسين المنتصر في كل زمان ومكان، وهو الشهيد الذبيح، يقف ابداً أمام اصحاب المليارات والامكانات العسكرية والمخابراتية وحتى الفكرية، انه مصداق الآية الكريمة "أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الارض". ما من حربٍ فرضها أعداء الحسين عليه السلام منذ الدولة الاموية وحتى الدولة البعثية البائدة، إلا وكان النصر حليفه والخزي والهزيمة تلحق باعدائه.
ما زال الحسين عليه السلام يصول ويجول في الميدان، و ما زال يخوض صراع الحق ضد الباطل، وما زال العباس عليه السلام ينقل المياه لكل المحرومين في العالم، وما زال علي الأكبر عليه السلام يجاهد ويقاتل من أجل الشرف والكرامة، وما زال القاسم عليه السلام يحمل السيف ويقاتل دفاعاً عن الحق والمبادئ.
هذا هو الحسين(ع) لمن يعرفه ولمن لايعرفه: إنه ما زال حياً، وكل الذين عادوه وشنوا عليه الحروب وحاربوا شعائره هم الذين إنكفؤا وإنتهوا إلى مزبلة التاريخ، هذه هي معجزة الحسين عليه السلام، ومن لايعرفه هكذا فأنه لن يطيق وجود هذه الأضرحة المقدسة التي يأمّها ملايين الناس ويقدمون النذور والأضاحي في كل يوم، لاسيما ضريحه المقدس وضريح أخيه أبي الفضل العباس عليهما السلام. حيث تتجدد الكرامة يومياً كما هي أشعة الشمس عندما نشهد توافد الآلاف في الايام العادية والملايين من الزائرين في الزيارات المؤكدة لأداء واجب الزيارة وتجديد الولاء والعهد على المضي في طريق التضحية من اجل الاسلام.
إن الذي لايعرف الحسين عليه السلام لايستطيع أن يفهم سر وجود مقام له في اكثر من بلد إسلامي، ولايستطيع أن يدرك وجود مجالس عزاء له في شتى انحاء المعمورة، ولايستطيع أن يستوعب إقامة المآتم عليه في (الاسكيمو) وعلى جبال (الهملايا)، وفي كل بقعة من بقاع العالم التي تنادي في عاشوراء (يا حسين). إن الحسين عليه السلام هو معجزة الله الكبرى، فتحت قبته يستجاب الدعاء، وفي تربته الشفاء، وتحت رايته يكون الجهاد.
ليس السؤال هو أين دفن رأس الحسين عليه السلام في مصر أم في العراق، بل ينبغي أن يكون السؤال هو: من الذي أقام هذه المشاهد المقدسة للحسين عليه السلام؟ هل هم شيعته؟ هل هم مناصروه؟ هل هم محبوه؟ هل هم الحكام؟ هل هم الشعوب؟
الله عزوجل هو الذي صنع الحسين وهو الذي صنع ضريحه، وإلا بالله عليك كيف يمكن تشييد هذا الصرح العظيم له في دولة مثل مصر التي ليس فيها إلا قليل من الشيعة، من أين أتت الأموال لبناء هذا الصرح، والأهم من هذا لماذا يأتي كل هؤلاء الناس لزيارة مدفن رأسه الشريف والحال إنهم ليسوا من شيعته ولايزعمون أنهم من مناصريه بل هم احبابه؟! وهو الذي جلبهم لهذا المكان المقدس، بما جعل من البركات والخيرات وإستجابة الدعاء في هذا المكان المقدس، لقد حتمت الإرادة الإلهية أن يكون ذكر الحسين في كل واد ومكان، أن ينادى بقضية الحسين عليه السلام في كل بلد من بلاد العالم، وأن يرتفع ذكر الحسين عليه السلام حتى في بلدان أعدائه الذين يكرهون هذا الذكر ويريدون طمسه.
وربما لم يكن رأس الحسين عليه السلام في مصر، وربما أعيد إلى كربلاء، ولكن المشيئة الإلهية هي التي فرضت أن يكون هناك ذكر للحسين عليه السلام في هذا الموقع بالذات، لمجرد أن رأسه الشريف مرّ به من هناك لبضعة أيام أو أسابيع، فأخذ المكان بركته من هذا الرأس الشريف.
أعداء أهل البيت لايستطيعون أن يشاهدوا كل هذا العلو والإجلال والعظمة لهذه الأضرحة المقدسة، فهم يظنون أن الحسين عليه السلام و بقية الأئمة الأطهار هم علماء وحكماء وأتقياء كالآخرين ولايستحقون هذه الأفضلية والأسبقية. لكن إذا كان لهم عقل أو بصيرة سيدركون أن الذي شيد هذه الأبنية المقدسة ليس هم شيعة آل البيت، بل الذي شيدها هو الله سبحانه وتعالى وهو الذي أبقاها علماً لدينه وشعاراً لكتابه، لقد أعطى الحسين عليه السلام كل قطرة من دمه لترفع في مكانها علماً من أعلام الدين، وجزاءاً لذلك فأن الله سبحانه وتعالى جعل ضريح الحسين علماً من أعلام الدين وسيبقى إلى أبد الدهر، رغم الماكرين والجاحدين.
|
|