الشعر بين الغاية والفن
|
*محمد طاهر محمد
لا يختلف اثنان في ان القصيدة او المجموعة الشعرية هي خاصة فردية للشاعر يتحدد تقييمها ونسبة نجاحها من فشلها على تجربة الشاعر وقدرته الشعرية. ولكن هناك حقيقة لا يمكن تجاهلها وهي ان الشاعر بقدر اتصاله بعالمه الشعري الخاص فإنه يجب ان يكون اتصاله كذلك بعالمه الخارجي الذي يعيش فيه وما يفرزه من أحداث وأفكار ومشاعر فمثلا عندما يصف الشاعر حادثة ما او يستذكر موقفا فإن شخوص الحادثة والموقف قد ساهموا في تكوين الصور الشعرية لديه ولا نقصد هنا ان يكون الشاعر أداة فقط لنقل هذه الحادثة او الموقف بل انه يحملهما بالمعاني الشعرية التي تخلق منهما عملا شعريا يستخفي وراءه الشاعر ويبثه بمالديه من أفكار وتصورات نحوهما عن طريق الرمز والاستعارة والتشبيه والمجاز وغيرها من فنون الشعر وأساليبه. فالشاعر عندما يوظّف حادثة تاريخية او موقفا فكأنه يمد مصباحا بسلك كهربائي عبر انطباعاته ورؤيته الخاصة، وكلما كان الشاعر ملما بالتاريخ وحوادثه اكثر كان تأثيره أقوى وبذلك يستطيع ان يخلق استجابة اكبر في شعره، فالشاعر هو حلقة وصل بين عالمنا الخارجي وعالمه الخاص وتتجلى مقدرة الشاعر في مدى انتمائه الى هذين العالمين، وقد تفاوت فهم هذا المعنى لدى الشعراء قديما وحديثا إذ أوغل الشعراء التقليديون بالمضمون وأسهبوا في السرد حتى طغى على سمة الشعر وأضاعوا الخصائص التي تميّزه عن النثر سوى إلتزامهم بالوزن والقافية، وكردة فعل على هذا النوع من الشعر ظهر الشعر الذي أساء فهم الشعر اكثر من النوع الأول والذي لم ينسلخ تماما عن كل ما يخص الشعر من خصائص ومميزات فقط بل انه قطع صلته بالعالم والتاريخ أيضا اما النوع الثالث للشعر فهو الذي يحقق الغاية والفن في نفس الوقت بوصفهما عنصرين متداخلين وتتجلى قدرة الشاعر الحقيقي في التوفيق بينهما واحداث التناغم في الانطباع والانسجام.
|
|