تحت الضوء
المتخلّف عنكم زاهق...
|
*محمد علي جواد تقي
إذا كان الوقوف على القدمين من سجايا الانسان منذ بواكير عمره وحتى مراحل حياته المختلفة، واذا كان التسامي والتكامل من صفاته الذاتية، فما يمنعه من أن يضع أقدامه على الأرض الصلبة ذات الاساس المتين ليسمو انطلاقاً منها الى ذرى التقدم والتكامل؟!
هنالك الكثير ممن اراد السمو بافكارهم وانجازاتهم في شتى ميادين الحياة لتكون من بعدهم تركة يُحمدون عليها وتفخر الناس باسمهم والانتماء اليهم، لكن القليل جداً أفلحوا في تحويل مسار حياتهم الى الذكر الطيب، بعد أن كادوا يتجهون الى الخلود في تاريخ الطغاة والخاسرين، وطالما أوصانا القرآن الكريم وأهل البيت (عليهم السلام) للانتباه الشديد الى هذه المسألة المصيرية وبصيغ مختلفة ربما أوضحها الآية الكريمة: "قل ما سألتكم من أجر فهو لكم" (سبأ/ 47)، أي ان النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) لا يطلب أجراً على أداء الرسالة السماوية العظيمة سوى أن يستفيد الناس من كونهم مسلمين ومتدينين، وكذلك كان حال بقية المعصومين من بعده، فهم لم يأخذوا شيئاً لهم من وراء تمثيلهم للدين وللرسالة سوى ما حباهم الله تعالى من المنزلة العظيمة في الآخرة، بل قدموا العزّ والكرامة والحياة الطيبة للمسلمين و للانسانية جمعاء.
طبعاً نحن نلاحظ هذا التوجه الفطري والعفوي في ظل أجواء الشعائر الحسينية، فمجرد المشاركة في إقامة السرادق والخيام ونصب معدات الاطعام والاضاءة و... غيرها كثير، من قبل الشيخ الكبير والطفل الصغير والشاب، وحتى النساء في البيوت، يعطينا صورة واضحة لا لبس فيها لنزعة اللحاق بالسابقين والفائزين، ولم نسمع يوماً أن شخصاً ما تعرض لخسارة مادية أو معنوية من خلال اشتراكه في هذه الاجواء، أو أن شخصاً أصيب بلوثة عقلية أو ثقافية بسبب جلوسه تحت المنبر الحسيني أو بسبب قراءته الكتب والمؤلفات التي تتحدث عن الواقعة وأهداف الإمام الحسين (عليه السلام) من نهضته وتضحياته!! بل العكس تماماً، فهنالك أسماء لاشخاص لا يؤمنون بالله ولا يلتزمون بتعاليم الدين الاسلامي سجلوا اسماءهم الى جانب اسم الامام الحسين (عليه السلام)، فبقيت خالدة مكافأة لهم على حسن نواياهم و رؤيتهم الشفافة أزاء الإمام ونهضته المقدسة.
نحن في عراق اليوم، حيث نطوي مراحل التغيير والتطور والتقدم يوماً بعد آخر، مبتعدين عن الزمن الرديء والغابر، نرجو أن تتسع مساحة المنضوين في أجواء الشعائر الحسينية في المجتمع تحقيقاً لهذه الغاية الانسانية على الأقل، فاستتباب الأمن خير، وتقدم العجلة الاقتصادية وانتعاش دخل الفرد نعمة، وانتشار الوعي في كافة المجالات دلالة صحّة، الى جانب ذلك فان توجه كل هذه الطاقات والقدرات نحو مسيرة إحياء القضية الحسينية تُعد فرصة استثنائية نادرة حقاً تغبطنا عليها بقية الشعوب، في أن نربط عجلة تقدمنا في كل نواحي الحياة بمسيرة الحسين (عليه السلام)، لنأت بمثل بسيط في هذا الحيّز المحدود، ألا يثير نزول الموكب الموحد والمهيب في كربلاء المقدسة لطلاب الجامعة والمدارس والكوادر التدريسية في أيام عاشوراء، مشاعر الاكاديميين والمتعلمين في العالم، وهم يرون أقرانهم قد التحقوا بسفينة الحسين مع ما اكتسبوه من العلوم الاكاديمية؟
إن الازهاق الذي يصيب ذلك المتخلف عن سفينة أهل البيت – كما جاء في دعاء شهر شعبان المعظم- لا تظهر صورته في الآخرة وحسب، وإنما لها مصاديق ملموسة في الحياة الدنيا، والأمثلة أمامنا كثيرة بل وقريبة، لكن علينا الاتعاظ والاعتبار، ولو (ما أكثر العِبر وأقلّ المعتبر).
|
|