التل الزينبي .. صرخة عبر الاجيال الى جانب المرقد الطاهر
|
تحقيق: نزار علي
كانت وما تزال كربلاء المقدسة مهوى الأفئدة والعقول والضمائر من شتى بقاع العالم، وعلى اعتابها خابت وتحطمت كل المحاولات لمنع الزيارة وأيضاً لوضع حواجز معنوية تبعد الناس عن الحسين وقضيته الخالدة، ومن معالم هذه المدينة مقام السيدة زينب (عليها السلام) المعروف اليوم بـ(التل الزينبي)، فهو ليس ضريحاً ومقاماً عادياً، إنما هو بالحقيقة جزء أو فصل مهم من واقعة الطف ابتداءً من إلتحام السيوف والرماح بين جيش الحق الحسيني وجيش الباطل الأموي، لذا نرى قوافل الزائرين لا يفوتون الفرصة وهم يؤدون مراسيم الزيارة لمرقد سيد الشهداء وأخيه أبي الفضل العباس (عليهما السلام)، وسائر المقامات المقدسة، بان يدرجوا زيارة هذا المقام الشاخص والعظيم ضمن برامج زياراتهم.
*التل الزينبي .. التاريخ
بما أن أرض كربلاء أو لنقل أرض الواقعة سنة 61 للهجرة، لم تكن مستوية، فكانت ثمة تلال وأحراش ونخيل فضلاً عن الرقعة الصحراوية الواسعة، فقد اتخذت عقيلة الهاشميين ربوة بالقرب من المعركة لمتابعة تحركات أخيها الحسين، وهو يعكس بوضوح مدى تعلقها وحبّها الشديد لأخيها، وللأسف لاينقل لنا التاريخ ما صنعت الحوراء فوق تلك الرابية وفي تلك اللحظات التاريخية العصيبة، و ربما وجهت النداءات تلو النداءات لأهل الكوفة وهم موغلون بالجهل والانحراف، ويتورطون بملء ارادتهم بدم ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لتحثهم على نصرة الحق والتخلّي عن جبهة الباطل وتذكيرهم بمنزلة أهل البيت (عليهم السلام)، وتخوفهم من غضب الجبار وعاقبة السوء و....
بقي لنا اليوم من تلك الربوة المباركة منطقة مرتفعة عن الأرض الى الجهة الغربية من حرم الإمام الحسين (عليه السلام)، سُميت مع الزمان بـ(التل الزينبي)، وقد شُقت الأزقة وبنيت البيوت حول هذه الربوة أو التلّة المئات من الدور السكنية والأسواق تبركاً بالمكان، فكان أن وجدت على الخارطة الكربلائية سوق باسم (سوق الزينبية)،
حسب بعض المصادر فان المقام في بدايته قد أُنشأ من جدران احد البيوت القديمة في أعلى التل وكان في الجدار فتحة مستطيلة، وعليها شباك برونزي في داخله وضع سراج (لالة) لعدم وجود تيار كهربائي في تلك الحقبة الزمنية وفي أسفل الشباك كانت هناك قاعدة يوضع عليها (الشمعدان) وهو مصنوع نحاسي قديم واعلى الشباك قطعة من القاشاني عليها نقوش أثرية تحكي معركة الطف وجموع الجيوش ومصارع القتلى وكتب على الشباك اسم صانعه (عمل محمد جعفر ولد عبد الحسين سنة 1339 هجرية)، وكان القائم بخدمة المقام آنذاك هو السيد ابو القاسم اليزدي وقام برعاية المقام بعده الحاج عبد الامير بن الشيخ صالح الاسدي آل الكشوان حتى وفاته عام 1957م ومن بعده اولاده كل من الحاج سعد والحاج عبد الحسين والحاج صادق والشهيد فاضل الذي اعدمه نظام الطاغية ابان الانتفاضة الشعبانية عام 1991م. واستمرت ادارة المقام بيد المذكورين حتى نهاية عام 1997م حيث قامت وزارة الاوقاف بالسيطرة عليه وتم تعيين الشيخ هاشم الزيدي لإدارته وبعد سقوط النظام العفلقي المقبور عام 2003م وتسلم المرجعيه المباركة إدارة العتبات المقدسة في كربلاء تم ضم مقام التل الزينبي الى ادارة العتبة الحسينية المقدسة وهو الآن بإشرافها ورعايتها.
*مسيرة البناء
في عام 1400للهجرة تبرع الحاج عباس الوكيل بداره الملاصقة للمقام فدُمجت مع المقام فتمت التوسعة وأجريت اعمال البناء والإصلاحات بتمويل من قبل الشهيد الحاج عبد الحسين جيتا الذي اعدمه النظام الصدامي المقبور بسبب مواقفه المبدئية، وكانت البناية تتكون من حرم ومصلى وقد كتبت على الكاشي الكر بلائي في اعلى المدخل الرئيس للمقام ابيات شعرية من نظم الخطيب الحسيني المرحوم الشيخ هادي الكر بلائي رحمه الله :
هذا المقام لزينب الكُبرى العقيلة بنت النبي ومن له أضحت سليله
بنت الوصي المرتضى أَخت الحسين ومهجة الزهراء فاطمة البتـوله
وقفت هنا في يـوم عاشوراء والهة لعظم مصاب اخوتها ذهوله
حرما هنا قد شيدوه لأجلها وكذا مَصلّـى يرجو بانيه قبولـه
وفي عام 1419هـ و رغم المضايقات والجور الصدامي البغيض سعى قائمقام مركز كربلاء في حينها السيد يوسف الحبوبي لاستحصال الموافقات الخاصة بتوسيع المقام وتجديده من قبل المحسن السيد ناصر شبر وتم انجاز العمل عام 1420هـ، أما مساحة المقام فتبلغ مائة متر مربع، يشمل المصلّى في الأعلى والواجهة الأمامية.
*الزائرون.. مشاعر جيّاشة
وللتعرف على مشاعر الزائرين وهم يؤدون مراسيم هذه الزيارة المباركة وخاصة وهم يقفون أمام جبل الصبر والفداء المتمثل بمقام السيدة زينب (عليها السلام) حيث وقفت لتنادي أخاها الحسين (عليها السلام) وتشكو له جور الأعداء الذين تكالبوا على عياله في يوم عاشوراء، (الهدى) التقت ببعض الزائرين لتتعرف على ما يمثله لهم مقام التل الزينبي الذي نقشت على جسده حادثة الطف ودماء الأحرار المتوقدة.
كان لقاؤنا الأول مع (الشيخ كريم) من مدينة أصفهان – وسط ايران- حيث قال: جئنا إلى كربلاء لنزور أئمتنا الأطهار ونعبر عن حبنا وتقديسنا لمراقدهم المطهرة، وأنا بدوري أقوم كمبلّغ مع القافلة التي جئت معها ولأبين لهم كرامة الإمام الحسين وأخيه العباس (عليهما السلام) وقداسة مقام (التل الزينبي) الذي يعد حلقة وصل بين المخيم الحسيني ومحل شهادة الإمام الحسين (عليه السلام)، حيث كانت تقف عليه العقيلة زينب لتشاهد أخاها الحسين من بعيد وهو يبارز الأعداء بقلب من الصبر والفداء.
وتابع الشيخ المبلّغ حديثه: ان كل ما نواجهه من متاعب خلال سفرنا إلى كربلاء فهو تعبير عن ولائنا لأئمتنا الأطهار ولننال شرف زيارتهم في الدنيا والثواب الجزيل في الآخرة وخاصة في هذه الليالي المباركة من شهر محرم الحرام.
وأعربت الزائرة (مريم) من الكويت؛ عن مدى مشاعرها الجياشة التي لا يمكن وصفها وهي تقف أمام جبل الصبر والفداء المتمثل بالعقيلة زينب (عليها السلام) وما جسدته في حياتها من الأخلاق الإنسانية الرفيعة، مؤكدة، إن دور المرأة المسلمة في هذه المرحلة المضطربة تحتاج إلى وقفة مع علوية الطف الكبرى.
أما الزائر (علي العذاري) من البحرين فقال: كان سفرنا مملوءاً بالشوق لزيارة العتبات المقدسة، ورغم طول الطريق وصعوبته فقد تحملنا عناءه من أجل التبرك بزيارة الإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس (عليهما السلام).
وتابع قوله: بالنسبة لمقام (التل الزينبي)؛ في الحقيقة أن هذا المقام العظيم يحمل قدسية استثنائية تزاحم حولها محبّو أهل البيت (عليهم السلام) وهم يتذكرون وقفة العقيلة زينب (عليها السلام) وهي تشاهد مقتل أخيها الحسين (عليه السلام)، وما حلّ بعياله من مآسٍ بعد مقتله من حرق الخيام وتشريد النسوة والأطفال.
|
|