قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

أين حدود الاختراق الأمني؟
*محمد علي جواد تقي
ليس فقط الكهرباء والماء تعثر وصولها الى بيوت العراقيين بعد مضي سبع سنوات على الاطاحة بالنظام الديكتاتوري الظالم، إنما الأمن والاستقرار ما يزال بعيداً بعض الشيء عن المواطنين، طبعاً من حيث الظاهر نجد كل شيء على خير ما يرام، فالباعة يفتحون أبواب متاجرهم والموظفون والعمال يتوجهون الى مراكز عملهم صباح كل يوم وكذلك طلبة المدارس وغيرهم دون أن يحصل مكروه لأحد، لكن القضية لا تنتهي عند هذا الحد، فالأمن بالحقيقة دوره احترازي، أي أن يسلب من اللصوص والمخربين والارهابيين من الأصناف ومن مختلف الدوافع، الثقة بأن يقوموا بأعمالهم الاجرامية ويزعزعوا أمن المجتمع والمواطن بسهولة كافة.
هذا الدور نلاحظه دائماً في المناسبات الدينية لاسيما مراسيم الزيارة لمراقد الأئمة المعصومين في المدن المقدسة، حيث يتوافد الملايين لأداء مناسك الزيارة المستحبة رجاء المثوبة من الله تعالى واكتساب الزخم المعنوي، فتنتشر الآليات العسكرية والجنود والقوات الخاصة ليكونوا ظهيراً لأفراد الشرطة المحلية، هذا الى جانب اجراءات التفتيش في نقاط متعددة داخل وخارج المدن المقدسة، والهدف من كل ذلك هو التلويح لمن تسول له نفسه بان من الصعب عليه القيام بعمل تخريبي وارهابي في صفوف الزائرين. لكن ماذا عن سائر الايام، وهل ستبقى الآليات والتعزيزات العسكرية وحشود أفراد الامن في المدن المقدسة أو غيرها؟
إن المشكلة تبدو واضحة وجليّة لكنها عصيّة على الحل أو لنقل صعبة التطبيق، علماً إن قيادة الشرطة طالما أكدت على مفهوم المشاركة الجماعية في تحقيق الأمن، فهو (منكم وأليكم) كما يقال، ربما يكون الامن الى الشعب وليس منهم، وإلا ما هي آلية هذه المشاركة؟ وهل شهدت الأحياء السكنية ندوات ولقاءات جماهيرية عامة تستضيفها المساجد مثلاً وتبحث فيها قضايا الأمن الاجتماعي؟ بالمناسبة ذكر لي أحد المخاتير ذات مرة انه ملزم ومطالب من قبل مجلس المحافظة بتغطية نسبة معينة من الوضع الأمني في منطقته وذلك من خلال جمع معلومات عامة عن كل أسرة في الحي، في كل الأحوال فان هذه المشكلة يبدو انها كسائر مشكلات البلد محشورة في الدهاليز المظلمة، وبين فترة وأخرى يهتز جدار الامن وسط الظلام فيحدث الارتباك والشدّ النفسي والعصبي في اوساط المجتمع، لماذا...؟ وكيف...؟ ومن...؟ والأنكى من كل ذلك فان افراد المجتمع حالياً يجدون أنفسهم بلا حصون أمنية، فالذي يسكن داخل مدينة كربلاء المقدسة – مثلاً- كمن هو بجوار بحيرة الرزازة أو نخيل (عين التمر)! لأن الشرطة وغير مرة، لا تعد الانفجارات التي تقع بين صفوف الزائرين خرقاً أمنياً بذريعة أنها لم تأت من الخارج، إنما هي من عمل الداخل، كما لو ان اعداد المتفجرات داخل كربلاء المقدسة لا يعد خرقاً أمنياً بل هو أمر طبيعي، وربما تكون إحدى المهن التي يزاولها البعض مثل صناعة (السمسمية) أو (اللبلبي)!
أذكر قصة حصلت معي فيها بعض الطرافة وكثير من العبرة والدلالة..
في مطلع التسعينات كنت في مهمة اعلامية في اقليم كردستان العراق ودخلته من احدى دول الجوار، وكانت تدار من قبل الفصائل الكردية بعيداً عن سيطرة نظام صدام البائد، وفيما كنت اتحدث الى رجل طاعن في السنّ من الاخوة الكرد رافقني في حافلة صغيرة (كوستر)، انزلقت من لساني باني من مدينة كربلاء، هنا تغيّرت ملامح الرجل بعد ان كان يتبادل معي الحديث عن صدام وجرائمه واوضاع كردستان، ورأيت كل علائم الحذر والخوف على قسمات وجهه، وقال: كيف لك أن تتجول وتتنقل هنا وانت قادم من كربلاء؟ لابد ليّ أن ابلغ اقرب سيطرة أمنية!! بداية نجحت في الحفاظ على رباطة جأشي وسيطرت على الموقف ثم بدأت أهدء من روع الرجل ونجحت في التوضيح باني مهجّر ومضطهد من قبل نظام صدام منذ سنوات ولم أرَ مدينتي منذ سنوات و... وهكذا تضمن الشعوب أمنها.