قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

لنحول المال الى نعمة تعمّ الجميع
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *سعد مغيمش الشمري
مثل بقية النعم التي وهبها الله تعالى لنا، يمكن أن يكون المال عامل خير ونعمة لنا، ويمكن ان يكون في الوقت نفسه عامل تعاسة ونقمة. لكن كيف ذلك ومعظم الناس اليوم يجدون المال مصدر القوة الوحيد – تقريباً- في الحياة؟
بدايةً يجب ان نعرف رؤية الاسلام الى المال باشكاله المتعددة، كأن يكون نقداً أو عقاراً أو مجوهرات، فهو لا يذم امتلاك الانسان لهذه الانواع من المال، بل انه يشجع على الكسب والتجارة وحتى الاثراء بشرط أن يتم ذلك عبر الطرق المشروعة، وقد شجع الرسول الأكرم على الكسب الحلال والتخلّص من وطأة الفقر، والمال الصالح هو الذي يجعل الافراد والمجتمعات صالحين لما لهذه المادة الحيوية من تأثير كبير في الحياة، يضاف الى ان حبّها بالأساس مغروس في فطرة الانسان، وقد كشف القرآن الكريم عن هذه الحقيقة في غير آية كريمة منها: "وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً" (الفجر/20).
ولكن اذا جاء هذا المال من الطرق غير الشرعية، ومن غير ما أهله الله تعالى من أسباب الرزق، فان النتيجة تكون عكسية، وسيكون هذا المال وبالاً على صاحبه ونقمة ويخرج من كونه نعمة، فاذا كان فقيراً سيزداد فقراً وبؤساً، وان كان صاحب تجارة فانها ستبور، وان كان ثرياً فانها ستتحول الى سلاح فتّاك ضد المجتمع والانسانية، لذا جاء التحذير الإلهي في الآية الكريمة: "وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ" (الأنفال /28).
ومع تطور الظروف الاجتماعية والاقتصادية والتقدم الحاصل في وسائل الحياة، فان المال بحكم موقعه و دوره المهم، أخذ ابعاداً مهمة أيضاً في التأثير على حياة الناس، لذا وجدنا هذه الفتنة ماثلة أمامنا اليوم عند المعاملات التجارية والمضاربات وغير ذلك من الابواب التي يدخل اليها المال غير المشروع فيلوث ويدمر ويحيل حياة الناس نكداً، بدل أن يسهم في الرفاهية والنعيم والاستقرار. والسبب في ذلك ابتعاد الناس عن تعاليم الدين والقيم الاخلاقية التي تكبح جماح المال عن أن يقود الانسان الى الطمع والاستغلال والطغيان. هنا انقسم الناس الى فئتين:
الفئة الأولى: من اتقى الله تعالى واجمل الطلب واقتصر كسب المال عن طريق الحلال، فكانت بركة عليه اذا انفق وتصدق وخمّس، وهو في ذلك مأجور في دنياه، و غانم في آخرته، فهو سيترك أمواله لورثته يقيمون له المبرات والخيرات، فهو نجح في ان يجعل المال تحت يديه، لا أن يكون هو في خدمة المال.
الفئة الثانية: من واصل جمع المال دون تقوى الله تعالى، فهو يتوسل بكل شيء من اجل الربح السريع والكثير، فالحلال عنده ما حلّ بيده ولم ينفق منه بزكاته وخمسه، فيخرج من الدنيا وسجله خالٍ من الخيرات والمبرات، فتتحول تلك الاموال الى نار يوم القيامة لأن فيها حقوق الناس وحقوق الله تعالى، فهو أغفل الكثير من الحقائق في الحياة، فضلاً عن العقاب الأخروي، وهنالك مقولة مأثورة: (ولن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها)، بينما نرى هذا الصنف من الناس وقد ملأ المال قلبه وعينيه فلا يرى ولا يشعر سوى بالمال، وربما يكون الأمر أسوء بعد موته، فهو لا يضمن أن يأتي بعده خلف لا يطبق منهجه في التعامل مع هذه الاموال التي جمعت أساساً من حرام، فتكون الخسارة في الدنيا والآخرة.
هذا على الصعيد الفردي، أما على الصعيد الاجتماعي، فان الحديث حوله يطول. لأن المال كما اسلفنا اذا تحول الى فتنة ونقمة فانه يعمّ بناره الجميع، لنأخذ الأسرة الصغيرة التي يرأسها هذا الانسان المحب او العابد للمال، فان افرادها سيأتون يوم القيامة ويسألون الله تعالى ظلامتهم وأنهم اكلوا من مائدة جاءت من مال الرشوة او الربا او النصب والاحتيال، وقد تأثروا بها معنوياً وروحياً كما يؤثر الطعام الفاسد بدنياً على الانسان، ونحن نلاحظ يومياً حالات التجاوز والتطاول على أموال الايتام والارامل بحجج واهية تفيد صاحبها وحسب، وهذا ما حذرنا منه تعالى في كتابه المجيد: "ان الذين يأكلون اموال اليتامى ظلماً انما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً".
من هنا علينا الانتباه أكثر الى مسألة المال، فهو اذا كان من حق الانسان صاحب البستان او المحلات التجارية والبيوت أو سيارات الأجرة و... عليه ان يعلم ان الآخرين ايضاً يحبون اموالهم وحقوقهم اذا كانت على شكل ديون او حقوق في الارض او غير ذلك، هذا من الناحية الشرعية والقانونية، وكذلك من الناحية الاخلاقية فان لهذه الاموال حقوق لآخرين. إذن، القضية على سبيلين متوازيين لابد لكليهما: الدين والاخلاق... ويذكرنا القرآن الكريم دائماً في اكثر من آية بهذا المضمون حيث يقول تعالى: "وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم". ومن دون مبالغة، اذا توفر السبيلين في سلوك ومنهج مجتمعنا في التعامل مع هذه النعمة الإلهية، ليتأكد الجميع يقيناً أن الامور ستكون بخير ولن نكون بحاجة الى (تصدّع الرأس) بانتظار الحكومة وهذه الدائرة وتلك المؤسسة وهذا القانون و....