التنمية والفساد.. طريق معاكس
|
مراقب
إذا كانت التنمية ضرورية ولا خيار آخر لنا سوى قبول تحدياتها، وإذا كان الزمن لن يتيح لنا الفرص الواحدة تلو الاخرى للوطن اذا فوتها وضيعها بالمجان، كما لن يسمح عنصر الوقت الضاغط بالتالي في توقيت تبنيها، فإن الفساد هو طريقها المعاكس. والفساد لا يكتفي بهدر الموارد او ارتفاع تكلفة المشروعات ورداءة نوعيتها وتحولها الى عبء بما يفقد الاقتصاد المحلي تنافسيته، ولكنه حكم بالموت على كل قيم المجتمع الايجابية، فالفساد يزرع عناصره في سلطات الدولة الثلاث ويخربها، وان خربت السلطات الثلاث، استشرى الفساد على مستوى الجسد، ففساد السلطات مثل فساد الرأس الذي يتوقف عن ارسال الاشارات الصحيحة والصحية لسائر الاعضاء.
لم يعد خافيا على أحد حجم الفساد في البلد كما ونوعا، وتشير الى ذلك ملفات وقضايا وفضائح الفساد التي لاتزال تُعلن وتنزل على رؤوسنا كالصواعق، سواء من قبل تقارير هيئة النزاهة، ام في البرلمان من لجنة نزاهته، ومن ثم التقارير الدولية التي لاتزال تضع بلدنا في ذيل قائمة الدول الاقل شفافية ونزاهة و الاكثر فسادا.. ويتسق ما يرد في التقارير مع المشاهدات اليومية في التعامل مع القطاع الحكومي و مشروعات الدولة، فالفساد والرشى وهدر الاموال العامة في هذه الوزارة او تلك الدائرة وهذا المشروع والعقد او ذاك، اصبحت مثلا شائعا ورديئا في مؤسسات الدولة الاخرى، والطرق والارصفة والمجاري بتشوهاتها الخطرة تصدم عيون الناس مع كل مطلع شمس، والمشروعات الكبرى بأوامرها التغييرية معطلة وتستغرق وقتا طويلا وتنتهي رديئة، وسرقات الاستثمارات في معظم القطاعات مثال سيىء راسخ في اذهان المواطنين، ولم تسلم حتى صحة الناس وقوتهم من الفساد.
ان مواجهة الفساد تتطلب الحرص على ان تكون السلطات الثلاث قدوة في نظافة ممارساتها، ووظيفة القانون بالدرجة الاولى ليست عقابية على أهمية العقاب، ولكنها وقائية، فإن طبق القانون على رؤوس كبيرة فاسدة، تكون جرعة التطعيم ضد الفساد قد أتت مفعولها على السواد الأعظم من الناس، اما اذا بدأ السواد الأعظم من الناس يتندر على تفويت جرائم فساد كبيرة ومشهورة، فالانتشار الوبائي للمرض آمر حتمي، والوباء يصبح أكثر انتشاراً اذا حصل على المناصب القيادية في السلطات الثلاث من لا يستحقها كفاءة و ذمة، فالسبيل الى اطالة العمر الوظيفي لضعيف الكفاءة سيكون الفساد والإثراء غير المشروع هو مكافأة نهاية الخدمة له.ان الفساد، وهو نقيض التنمية، مرض يهدد هيبة الدولة وربما كيانها، وهو بمنزلة تشييد بناء على قواعد خشبية طالها النمل الابيض "الأرضة"، ولا يستوي أي حديث عن مستقبل أفضل دون مكافحته، وبعمل جماعي يشمل السلطات الثلاث، ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام، والناشطين في قضايا الشأن العام، فمكافحة الشرور مسؤولية جماعية، والفساد أخطرها.
|
|