أحاديث الشباب
الشباب والحب
|
*حيدر عبد الرضا الظالمي
الإنسان عندما يرى شيئاً جميلاً أو أمراً حسناً سرعان ما تنتابه حالة نفسية لها أثر كبير على دواخله تجاه ذلك الشيء أو الأمر، وهذا الشعور يُسمى (الإستحسان) وبعد هذا الشعور تأتي حالة غريبة شيئاً ما وهي حالة إنجذاب برفق تجاه ذلك الشيء وهذه الحالة تسمى المحبة وهي رد فعل. فالإستحسان دعوة الجمال للنفس واستجابة النفس للدعوة وهي المحبة، فأول درجات الحب هو الميل الى الشيء فإذا إشتدت الرغبة نحو ذلك الشيء وتحملت النفس بعض المشاق أدى الى حالة تسمى (ودّاً) وإذا ما بلغت هذه الحالة أكثر من ذلك الحد سميت (حباً) وهو أعلى درجات ذلك الإحساس.
الإمام الصادق (عليه السلام) يسمي هذه الحالة بالإيمان حيث يقول: (وهل الإيمان إلا الحب) والحديث على قصره يدلنا على أن للحب في الإسلام منزلة عظيمة، فالإسلام دين المحبة والصداقة والإخوة الدائمة و لكن الإسلام لا يقبل ولا يستسيغ بعض الألوان التي إمتزجت بأسم الحب، فنرى بعض الشباب ينادي بها ويسميها (حباً) كحب الشهوة العابرة والدنيئة، وحب الظهور وحب التعالي على الآخرين، فالحب في الإسلام حبٌ شريف وهو علاقة بين الأرواح قبل أن تكون بين الأبدان، وكما بينّا بان الحب مسألة فطرية وطبيعية في النفس البشرية، فان بالحقيقة عبارة عن مسيرة تواكب حياة الانسان، فاذا كانت محفوفة بالأوراد والسلامة والاطمئنان فان نهايتها تكون سعيدة، أما اذا اختلط مع هذا الحب نوازع نفسية ضارة للانسان في مقدمتها الغريزة الجنسية المنفلتة أو الانانية وحب الذات الى حدّ الاستكبار على الآخرين، فان النهاية تكون محزنة بل وكارثية. لذا فان الاسلام لم يلغِ إطلاقاً مفهوم الحب، بل العكس، فهو قدم منهجاً متكاملاً ينسجم مع الفطرة الانسانية ويجعل من الحب الوسيلة الأفضل والأسرع الى تحقيق السعادة في الحياة.
يقول الإمام الصادق (ع): (من حب الرجل دينه، حبه أخاه)، فالحب لا يقاس بالمكاييل المادية وكذلك لذته لا تكون مادية فقط، فإذا كانت كذلك لم يُسم حباً ولا ينتمي له بأي شكلاً من الأشكال لأن الحب يقاس باللذة المعنوية قبل المادية، لأنها أقوى إدراكاً وأسمى غاية والدليل على ذلك أننا نجد القلوب مجتمعة على حب الكمال أينما وجد وعلى تعظيم الكامل أينما حلّ وإن فصلت بينهم آلاف بل ملايين الأميال وعشرات القرون، وكذلك تجتمع القلوب على حب الفضائل وصفات الخير والاخلاق الحميدة، حتى وإن كان المحبون غير صادقين.
من هنا نفهم أننا أمام مفهوم جديد للحب، فلا يجب أن نأخذ القضية بشكل مطلق، لأنه كما أشرنا سلفاً، أن الحب كنزعة نفسية وحالة طبيعية عند الانسان، ربما تميل نحو الهوى والشهوات العابرة، فالرداء واحد والظاهر هو الحبّ لكن الباطن والمحتوى حبّ غير شريف وغير هادف، إنما أهواء عابرة وأوهام و وعود كاذبة. وهذا ما حذر منه الاسلام وأهل البيت، يقول النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): (حبّك للشيء يُعمي ويُصم)، وفي ذات النهج يعبر أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الحب بأن (عين المحب عميةٌ عن معايب المحبوب، وأذنه صمّاء عن قبح مساوئه)، ويقول (عليه ا لسلام) أيضاً في هذا السياق: (لا عقل مع شهوة)، وهذا الحديث بالحقيقة يشكل اليوم حقيقة علمية لا يماري فيها أحد.
وقبل كل ذلك فان القرآن الكريم واضح في هذا المجال، فقد وردت كلمة (الحب) في عدد كبير من الآيات وبألفاظ متعددة، فنقرأ "إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ" و "إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ"، لكن نقرأ أيضاً: "إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ" و "يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ"، طبعاً هذا غيض من فيض الآيات الكريمة في هذا المجال، وخير من يعلمنا المعنى الحقيقي للحب هو الله تبارك تعالى الذي زرع هذه الغريزة في أنفسنا، لنقرأ الآية الكريمة من سورة المائدة: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ".
إذن، فان الحب هو لله وللقيم وللأخلاق، ثم الحب للزوجة والأسرة والوالدين والأخوان المؤمنين، فهذا الحبّ هو الذي يحمل شروط نجاحه وديمومته وفائدته العظيمة للانسان، وإلا ما الفرق بين أن يقول الرجل – مثلاً- إني أحب إمرأة التقيتها في الحديقة أو على قارعة الطريق، وبين من يقول إني أحب زوجتي الساكنة في داري مع أطفالي؟ كلاهما من الناحية الظاهرية يُعد حبّاً، لكن أين هذا الحب المتجذر في العلاقات الاجتماعية والانسانية النبيلة، وأين ذاك الحب العائم الذي تتقاذفه الأهواء والرغبات الزمنية يمنياً وشمالاً؟ كما إن من المعروف أن الانسان محبّ لذاته ومصالحه، وأيضاً هناك حب الصدق والعدل والأمانة والاحسان و... غير ذلك من الفضائل والمكارم والقيم، لكن أين ذلك الانسان الذي يريد أن يصبح كالشجرة اليابسة على ربوة من التراب بعيداً عن الماء، وبين من يكون كالشجرة المثمرة كلما كبرت و زاد ثمرها تدلّت أكثر نحو الأرض وامتدّ ظلها وبان جمالها الآسر؟
وبعد كل ذلك، هل يكون (الحبّ) هاجساً وأمراً غامضاً أمامنا؟ كلا، فالحب الذي يدعونا اليه الاسلام هو الذي يعطينا الأمل في المضي قدماً في مسيرتنا التعليمية أو المهنية أو الاجتماعية، بينما الكراهية والعدواة والبغضاء فهي مما يلقيها الشيطان في نفوسنا، لنقرأ الآيات المباركات من سورة المائدة لنعرف مصدر الكراهية بعد أن عرفنا مصدر الحب الحقيقي: "إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ"، صدق الله العلي العظيم.
|
|