نظرة إلى سورة (النجم)
نجمٌ لايغيب ونور لاينطفىء
|
*محمد عبدالله
يقول الله سبحانه وتعالى: "وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى* مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى* وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى".
هل هناك مسلم يعتقد ان نبيه الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) قد ضلّ والعياذ بالله؟! يبدوالسؤال ساذجا إذ ان الإجابة المتبادرة إلى الذهن انه لا أحد يعتقد بذلك ولا حتى يفكر فيه، وإنما جاءت الآيات الانفة وهي تعني الكفار بالتأكيد.
الا ان بعض التمعّن في الآيات يهدينا إلى حقيقة هامة، وهي ان هناك من المسلمينـ بل من صحابة الرسول (صلى الله عليه وآله) من كان يعتقد ان النبي الأكرم قد ضل وغوى ـ والعياذ بالله ـ ! وجاء القرآن ليرد عليهم اعتقادهم الفاسد بعد ان قدم له بقسم عظيم "والنجم إذا هوى* ما ضلّ صاحبكم وما غوى" والكلام موجه لأصحاب النبي (صاحبكم)، فالمخاطبين هنا هم جماعة من أصحاب الرسول الأكرم، ويبدو انها جماعة كبيرة أيضا، والسؤال متى اعتقدت هذه الصحابة ان نبينا الأكرم قد ضل وغوى؟ ان سياق الآيات يرشدنا إلى ذلك.
وقبل ان نمضي إلى سياق التاريخ وأسباب النزول التي قد يختلف بشأنها، فالقسم القرآني يتحدث عن نجم هوى، فالنجم يغيب وينتهي ويموت، ونجم البشرية محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضا يموت، والموت سنة الله على جميع خلقه ومخلوقاته، وهو قسم يهيئنا لجو الآيات التالية، التي تتحدث عن مرحلة ما بعد غياب (النجم) وهو نبينا الأكرم (صلى الله عليه وآله).
العلم الحديث اكتشف أيضا ان النجوم التي نراها الآن هي ميتة بالفعل قبل ملايين السنين ولكن نورها بقي وهو يصلنا إلى هذا اليوم، فموت النجم لا يعني نهايته، بل هو مستمر في نوره الذي يخلفه لسنوات طويلة جدا بل ولا يكاد يخبو ذلك النور، وكذلك عندما يموت الرسول الأكرم فان نجمه لا يغيب، بل يواصل نوره بالسطوع، فقد خلقه الله تعالى ليستمر نور النبوة من بعده يضيء للبشرية من بعده، ذلكم هو نور أهل بيت محمد (صلى الله عليه وعليهم أجمعين). قال النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): (يا علي مثلك ومثل الأئمة من ولدك مثل النجوم كلما غاب نجم طلع نجم إلى يوم القيامة).
بعد ان مهد السياق لقضية غياب نجم النبي (صلى الله عليه وآله)، قال الإمام الرضا (عليه السلام) ان النجم هو رسول الله فإنه يصارحنا بالرزية الكبرى عندما بدأ الانقلاب على تعاليم النبي و وصاياه و وحيه، وعندما عين علي بن أبي طالب (عليه السلام) خليفة من بعده، إذ هنا بالذات بدأ الرد والارتداد والتشكيك في أصل النبوة والوحي، فقد ادعى بعض من أصحاب النبي انه قد ضل وغوى ومال إلى هواه والعياذ بالله بتنصيبه ابن عمه علي من بعده !!
الا ان السياق القرآني ينفي لهم ذلك ويؤكد ان تعيين الامام علي جاء بناءاًَ على وحي الهي قام النبي بإبلاغه إلى الأمة، وفي الحقيقة هذا ديدن أنبياء الله (عليهم السلام) جميعا، فكان الأنبياء والأوصياء من بعدهم من بيت واحد، لان القضية قضية اصطفاء إلهي، بل وهذا هو ما جرت عليه البشرية، فترى الحاكم الصالح أو الطالح يسعى لان يعين خليفته من أقرب المقربين إليه، عائليا أو حزبيا أو ما شابه لان أهل البيت أدرى بما فيه، وهو لإلتصاقهم وملازمتهم للقائد أكثر استيعابا لأهدافه وقدرة على مواصلة مسيرته، هذا على مستوى البشر، اما قضية النبوة فالأمر أجلّ وأخطر والتعيين قضية من الله عز وجل الذي شاء ان يجعلها في بيوتات طاهرة ولا يجوز ان تخرج عنها، وهاهم الأنبياء يدعون ربهم ان يجعل النبوة مستمرة في ذريتهم. "هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة انك سميع الدعاء* فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب ان الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين". والآية الأخرى "إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ* ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ". (آل عمران 33-34).
فأن تبقى النبوة وتستمر الإمامة في بيت واحد ليست ضلالاً ولا غواية، بل هذا هو منهج الله سبحانه في أنبيائه ورسله وأوصيائه، وشعار (لا تجتمع النبوة والخلافة في بيت واحد) هو شعار رُفع في مواجهة هذا النهج الإلهي المتواصل منذ آدم (عليه السلام) وحتى محمد وأهل بيته (صلى الله عليه وعليهم اجمعين). وعندما تحل علينا ذكرى مواليد أو وفيات المعصومين الأربعة عشر، حريّ بنا أن نجدد الولاء والالتزام بنهج السماء وما جاء به نبينا الأكرم، لا أن تأخذنا الأهواء والاتجاهات يميناً وشمالاً ونبتعد عن طريق الولاية الإلهية.
|
|