هل الناس سيئون أم مواقفهم السيئة ؟
|
محمد هادي الحسيني
ذات مرّة ألقيت محاضرة حول التدخين، وبينت مساوئ هذه العادة، ومايترتب عليها من مشاكل صحّية، سواء بالنسبة للمدخنين أو بالنسبة إلى من هم قريبون منهم، وحينما أتممت المحاضرة جاءني أحدهم وكان من المدخّنين وقال: أيها السيد! أنت اليوم أعلنت انك ضدّنا.
قلت: إنني آسف لانك فهمت محاضرتي بهذه الطريقة، فأنا لست ضد المدخّنين، بل انا ضدّ التدخين، وأضفت: لأني معك واحبّك وأريد الخير لك، فأنا ضدّ هذه العادة التي ابتليت أنت بها.
وكما في التدخين، كذلك في بقية الأمور، إن علينا أن ننظر إلى الناس بشكل عام على أساس أنهم طّيبون وصادقون ويحبّون الخير ويكرهون الشّر، اما بعض اعمالهم فربّما لا تكون كذلك. فالناس قد يقترفون أموراً سيئة ويتخذون مواقف خاطئة، بل وبعضهم قد يرتكب الجرائم، ولكن بشكل عام فإن الناس هم أصحاب فطرة سليمة خلقهم الله عليها، كما يقول القرآن الكريم (فطرة الله التي فطر الناس عليها)، ولا شك أن الله لايخلق إلا الجميل.
إن المشكلة في الذين يخلطون بين الأعمال السيئة ومرتكبيها هي أن من يتخذ الموقف من الشخص بوصفه ذاتاً خبيثة ربما يتجاوز عمله ويحكم بدل ذلك عليه، فحتّى لو أن الذي ارتكب الخطأ تاب وأصبح من الصالحين فإنه لا يغير موقفه منه، وكأن الشخص هو من كان سيئاً وليس عمله.
وهذا مايحدث أيضاً في الصراعات السياسية. فقد تجد أن بعض المنظمات والأحزاب والتيارات التي تتخذ المواقف ضدّ الحكومات الظالمة، حينما تنتصر عليها ربما ترتكب نفس الأخطاء ونفس المساوئ التي ثارت عليها من قبل، لأنها تجاوزت العمل السيئ وأصبحت ضدّ أشخاص الحكام.
ومثل هؤلاء لايرون السوء في نفس الأعمال، ولذلك هم قد يرتكبونها فيما بعد. وكأن على الناس أن يكونوا ضدّ الظالمين كأشخاص، وليس ضدّ الظلم كفعل !، بينما المطلوب دائماً ان نكون نحن ضدّ العمل السيئ والموقف السيئ والكلام السيئ، مع قطع النظر عمن يقوم بذلك.
وهذا ماكان عليه العِظام في التاريخ، لذلك استطاعوا ان يحّبوا حتى اعداءهم كما قال السيد المسيح (ع)، وأن يبكوا من أجلهم، كما فعل الإمام الحسين(ع) في يوم عاشوراء في كربلاء، حيث بكى في صباح ذلك اليوم الرهيب، وحينما سألته أخته زينب (ع) عن سبب بكائه، قال (ع): أبكي لدخول هؤلاء- وأشار إلى الأعداء- النار بسببي.
إننا حينما نواجه عملاً سيئاً، فلابد أن نبين ردّة فعلنا تجاه ذلك، ولكن بالطريقة التي تؤدي بالفاعل إلى الندم وعدم تكرار ذلك مرة أخرى، فإذا قلنا له: أنت شخص سيئ.. وفرقنا بينه وبين العمل، ولم نحكم عليه بل حكمنا على عمله، فقد ندفعه بذلك إلى ترك مايفعل. إننا لن نستطيع أن نغير ذوات الناس ولكن نستطيع أن نغير سلوكهم وعملهم، فإذا قلنا لهم: انتم سيئون، فمعنى ذلك أننا لا نستطيع أن نغير شيئاً فيهم، بينما إذا قلنا إن أعمالكم سيئة فمعنى ذلك أنهم قادرون على أن يغيروا تلك الأعمال وأن يصبحوا صالحين.
|
|