الحسين (ع) .. في الشعر العاملي
|
*منذر الخفاجي
قد يستشعر القارئ ان العنوان اكبر بكثير من هذه السطور، ولكن قد يؤدي هذا البصيص الى انوار الشموس التي أشرقت في هذه البلدة فشعت بعلومها وآدابها على البلاد. فتاريخ (جبل عامل) حافل بإنجاب افذاذ العلماء والادباء والشعراء الذين كانت ولا زالت نتاجاتهم مصدرا مهما وثرّاً للمكتبة الاسلامية والعربية في كل فنون العلم والادب.
وكان لشعراء هذه البلدة مكانة متميزة في قائمة الشعر العربي فقد جمع أغلبه قضايا مهمة في التاريخ الاسلامي فضلا عن تميّزه بصدق العاطفة و رقة الاسلوب وقوة المعنى. ولعل اهم قضية تناولها الشعر العاملي هي قضية أهل البيت عليهم السلام وإبراز مظلوميتهم وعدالة مبدئهم في الحفاظ على الاسلام الحقيقي وخاصة قضية الامام الحسين عليه السلام وتجسيد واقعة الطف والتفجّع على المصائب التي جرت عليه وعلى آله وصحبه في كربلاء حيث كانت تمثل لهم قمة العطاء الانساني والتضحية في سبيل حرية الانسان ومبادئ الدين الحنيف.
*(الكفعمي).. الدعاء و الشعر*
فعندما يصل الشيخ إبراهيم الكفعمي العاملي (ت 900هـ) صاحب الكتاب المعروف (المصباح) الى كربلاء يهزه ذلك الاباء الحسيني وتتدفق مشاعره نحو المرقد الطاهر فيرتجل قصيدة تربو على المائة والثلاثين بيتاً يقول منها:
أتيتُ الامام الحسين الشهيد
بقلبٍ حزين ودمعٍ غزير
أتيتُ ضريحاً شريفاً به
يعودُ الضرير كمثل البصير
أتيتُ إمام الهدى سيدي
بشوق هو الكهفُ للمستجير
وعندما يستقر به المقام في كربلاء يحفر له حفرة و يوصي اهله بدفنه فيها بعد موته فيقول:
سألتكم بالله هل تدفنونني
إذا متُّ في قبر بأرض عقير
فأني به جارُ الشهيد بكربلا
سليل رسول الله خير مجير
ولكن للأسف لم تتحقق أمنية الشيخ فقد روى (الامين) في اعيان الشعية انه توفي في جبل عامل ودفن في قريته وعُثر على قبره بعد زمنٍ بعيد تحت صخرةٍ فعُمّر وصار مزارا يتبرك به ولله حكمته البالغة.
وفي قصيدة مفعمة بالاسى يبكي الشهيد الثاني الشيخ محمد بن الحسن بن زين الدين العاملي (ت 1030هـ) هذه الفاجعة الأليمة ويرى ان لا عذر لعبد لايجري دمعه لها فيقول من قصيدة طويلة:
ليت شعري ماعذر عبدٍ محبس
جامد الدمع ساكن الاحشاء
وابن بنت النبي اضحى ذبيحاً
مستهاما مرمّلاً بالدماء
وحريم الوصي في أسرِ ذُلٍ
فاقدات الآباء والابناءِ
*الحرقة المستديمة*
اما الشيخ (البهائي) بهاء الدين العاملي (ت1031هـ) فأن مصيبة الحسين عليه السلام اورثته الحرقة المستديمة:
مصابك يامولاي اورث حرقةً
و أمطر من اجفاننا هاطل المُزنِ
فلو لم يكن رب السماء منزلها
عن الحزن قلنا انه لك في الحزن
وللشيخ زين الدين العاملي ـ حفيد الشهيد الثاني ـ (ت 1064هـ ) مخمّسة طويلة يقول فيها:
لهف نفسي على رهين الحتوف
حين أمسى نهب القنا والسيوف
ثاوياً جسمه بأرض الطفوف
وهو ذو الفضل والمقام المنيف
وسليل الشفيع يوم المراد
ويرى الشيخ احمد بن خاتون العيثاني العاملي (ت 1011هـ) ان هذه المصيبة عمت كلَّ حرٍ معتصمٍ بدين الله فيقول من قصيدة طويلة:
فيا لها حسرة عمت مصيبتها
لكلِّ حرٍ بحبل الله معتصم
والطاهراتِ على الاقتاب في عنفٍ
تسير فوق متون الانيق الرسم
يا سبط احمد يا ابن الطهر فاطمة
يا نجل حيدرة المنعوت بالكرم
اذا أتت عشرة عاشور يفيض لك الطرف القريح بدمع منه منسجم
*لوعة في الاعماق*
ولا يبكي الحر العاملي (ت1104هـ) طلولاً ولا منازل ولكن يبكي لكربة اهاجت نفسه:
لكن بكيت لرزءٍ آل محمدٍ
بمدامعٍ تهمي كغيثٍ ماطرِ
وا كربتاه لمن ثوى في كربلا
فرداً وحيداً ما له من ناصرِ
كتبوا اليه و ازعموا من بعدها
غدراً فتبّاً للشقي الغادرِ
وكذلك حال المولى ابو طالب الفتوني العاملي (ت1150هـ) الذي يخاطب نفسه:
فالى متى تبكين رسماً دارساً
وتخاطبين بجهلك الاطلالا
هلاّ بكيت السبط سبطَ محمدٍ
نجل البتول السيد المفضالا
بأبي إماماً ليس ينسى رزؤه
في الناس ما بقي الزمانُ وطالا
ويصور الشيخ علي العاملي (ت1130هـ) السبط الحسين عليه السلام في صحبه كالبدر بين الكواكب وهم يتسابقون نحو إدراك العلى:
والسبط في صحبه كالبدر حيث بدا
بين الكواكب لم يرهقهم الوجلُ
تسابقوا نحو إدراك العُلى فجنوا
ثمارها بنفوس دونها بذلوا
من كل قرمٍ أشمّ الانف يوم وغى
ضرغام غابٍ ولكن غابُه الاسلُ
اما الشيخ حسن آل سليمان العاملي (ت1184هـ) فأنه لايرى ضراً من صاحب اللب ان يقطّع نفسه يوم عاشوراء لانه أورث حزناً الى نفخة الصور:
ماضرّ من كان ذا لُبٍّ وتفكيرِ
لو قطّع النفس وجداً يوم عاشورِ
وكلف القلبَ حزناً لا يخامره
تكلّف الصبر حتى نفخة الصور
خطب أقام عمود الشرك منتصباً
وشدّ اعضاد اهل الغيّ والزور
أما الشيخ محمد مهدي الفتوني العاملي فأنه يستحضر الواقعة بلسان حال من يشاهدها فكأنه يستمع الى صراخ الاطفال من الظمأ:
فقف على الطفِّ واسمع صوتَ صارخهم
يشكو الظمأ وحديث الحال ينشره
ونادِ بالويل في ارجائه حزناً
فليس يحمدُ من عانٍ تصبُّره
وامزج دماء دموع العين من دمهم
لا يومٍ سوى ذا اليوم تذخره
المصاب يتجدد
وتظل هذه المصيبة جديدة كلما تعاقب الليل والنهار كما يرى الشيخ ابراهيم بن يحيى العاملي (ت1214هـ):
مصيبةٌ أبلت الدنيا وساكنها
وهي الجديدةُ ماكرّ الجديدانِ
وكيف ينسى امرؤٌ رزءاً به فجعت
كريمة المصطفى من آل عدنانِ
فالعيون تقل منها الدموع لهذه الواقعة التي ادمت قلب المصطفى صلى الله عليه وآله كما يقول: الشيخ نصر الله يحيى العاملي ((ت1230هـ):
رزءٌ يقل من العيون له البكا
بدمائها وبياضها وسوادِها
من مبلغ المختار ان سليله
أمسى لقىً بين الربى و وهادها
ومنابر الهادي تظلّ أميةٌ
تنزو كلابهم على اعوادها
وفي ابياته الرثائية يمزج الشيخ صادق العاملي (ت1240هـ) بين التفجع على المصاب وتجسيد وقفة الإباء التي وقفها ابو الاحرار عليه السلام في رفضه الظلم والهوان فيقول:
عرِّج على شاطي الفرات ميمماً
قبر الاغر أبي الميامين الغرر
قبرٌ ثوىً فيه الحسين وحوله
اصحابه كالشهب حفّت بالقمر
مولى دعوه الى الهوان فهاجه
والليث ان احرجته يوماً زأر
فانساب يختطف الكماة ببارقٍ
كالبرق يخطف بالقلوب وبالبصر
ولم يتصرم هذا المصاب ولا ينقضي حزنه مدى الايام فقد كسا الدنيا ثياب الأسى التي لا تزول كما يقول الشيخ موسى شرارة العاملي (ت 1304هـ):
بيوم أحال الدهر ليلاً مصابه
و أجج احشاء العباد بمضرمِ
مصاب على آل النبي محمدٍ
عظيم مدى الايام لم يتصرّمِ
وخطب كسا الدنيا ثياباً من الاسى
وطبق آفاق البلاد بمآتمِ
وتهيج لوعة السيد على الامين العاملي (ت1328هـ) عندما يسمع قصيدة السيد حسين بن السيد مهدي القزويني فتجود قريحته بتخميسها فيقول:
بنفسي الحسين سقته عداه
كؤوس المنون وساقت نساه
فقل للوصي وحامي حماه
أبا حسنٍ انت عين الإله
فهل عنك تعزب من خافيه
ويستذكر الشيخ علي شرارة (ت 1335هـ) حادثة مقتل الشهيد علي الاكبر عليه السلام وبطولته فيقول:
ولم أنسَ شبلَ السبطِ حين أجالها
فقرّب آجالاً وفرّق فيلقا
يُصول عليهم مثلما صال حيدر
فكم لهم بالسيف قد شجّ مفرقا
كأن قضاء الله يجري بكفه
ومن سيفه يجري النجيع تدفقا
ولما دعاه الله لبّاه مسرعاً
فسارع فما قد دعاه تشوقا
فخرّ على وجه الصعيد كأنه
هلالٌ أضاء الافق غرباً ومشرقا
|
|