المناصب وعقدة الاضطهاد
|
خولة القزويني
الناس في مجتمعنا أغلبهم محبطون بدءاً من الموظف البسيط وحتى أكبر مسؤول في الدولة،فالموظف يشتكي أنه مظلوم من قبل مسؤوله فهو يضطهده، يحرمه من الامتيازات، يقيده، ويعاقبه أحياناً على الرغم من أنه يعمل بإخلاص وينتظم في حضوره، ومسؤوله (رئيس القسم) يشتكي أنه مضطهد من المسؤول فوقه ، فهو يجتهد لكي يقدم أفضل ما عنده من إنجازات لكن مسؤوله لا يقدر ولا يحترم أداءه المتميز فبالتالي هو محبط تماماً، والمسؤول الثالث في السلم الوظيفي يشتكي في سياق هذه الشكوى، فهو لم يترق كما ترقى غيره من الكبار فمن حقه أن يحلم بكعكة أكبر.
وهكذا تنتقل عقدة الاضطهاد في مجتمعنا من أصغر موظف حتى الأكبر والكل يشعر أنه مظلوم وأن حظه التعس ألقاه في هذه الوظيفة، والكل أداؤه الوظيفي عالي الجودة وأن إخلاصه وتفانيه لا غبار عليهما. فلا أحد راض عن نفسه ولا أحد راض عن وصعه، فالكل يتبجح بالمبادئ والقيم ويتغنى بأنشودة العدالة والحقوق، الموظف البسيط بمجرد أن يمسك زمام القيادة يتحول إلى مسؤول دكتاتوري يضطهد من هو أقل منه درجة وظيفية بل يتبع نفس منهج مسؤوله السابق.
هناك عقدة تحتاج إلى تفكيك وفهم ليدرك الإنسان حجم إمكانياته والسقف الأعلى لقدراته فلا يطلب المناصب القيادية والمظاهر الكذابة وهو يفتقد ألف باء أصول الإدارة الحكيمة أو حتى الخبرة التي تمكنه من القيادة بشكل فعال، وهذا ما أوقعنا للأسف الشديد في مشكلة الفساد الإداري الذي ترك الفوضى في البلاد والتسيب في العمل وضعف الإنتاج لأن كل شخص يطمح أن يكون مسؤولاً وأن يعيش النفخة الكذابة ويجلس خلف مكتب عريض فاخر تتمايل حوله سكرتيرة حسناء .. ويتبجح في حديثه بالأمانة وهو في داخله خاو علماً وكفاءة وخبرة، فقد تسلم زمام القيادة بالواسطة والمحسوبية بينما تضطهد في الحقيقة الكفاءات الجيدة وتغيب عن مراكز اتخاذ القرار. ولهذا ينبغي أن يكون الإنسان رقيباً على ذاته، موضوعياً في تقييم نفسه وصادقاً في نقده الذاتي حتى لا يريق ماء وجهه من أجل مركز قيادي وهو في الحقيقة غير مؤهل للقيادة. فلتكن إذاً طموحاتنا قائمة على أساس الرغبة في الإنتاج والإيمان بالعمل ومحاولة تغيير واقعنا نحو الأفضل، لا طموحا شخصيا دافعه الغنيمة و البرستيج والمظاهر..
|
|