الابتعاد عن القرآن الكريم وعوامل التخلف
|
*ياسين عبد الصمد
كما بدن الانسان الرقيق والحساس بحاجة الى عوامل الدفاع عنه من الأذى الخارجي من مخاطر عديدة، والأضرار الداخلية من أورام وتلف في الخلايا والأنسجة وعطل في وظائف الغدد والكلية وغيرها، فان نفسه بحاجة أيضاً الى منظومة دفاعية تقيه شر الهجمات العنيفة التي من شأنها أن تفتك بها على حين غفلة وتحيلها الى الانحدار والموت.
فكيف يضمن الانسان حصونه أمام محاولات اختراق أعداء الفضيلة، وفي نفس الوقت يحطم القيود المفروضة على عقله ومعارفه؟
نعرف إن الله سبحانه وتعالى وهبنا العقل المضاد للهوى، والعلم المضاد للجهل، والهدى المقابلة للضلالة، لكن المهم الآلية والسبيل الى ذلك، فالعقل والعلم والهدى لن يأتوا الى الانسان وهو نائم في مكانه يتأمل السماء والأرض دون أن يحرك ساكناً؛ إنه القرآن الكريم الذي أثبت للعالم وللانسانية إنه خير ملجأ للانسان عندما تشتد به الفتن، فالانسان المؤمن يتلوه عندما يجد نفسه تكاد تنهار، ويستعيذ به المجتمع الاسلامي عندما يرى نفسه محاصراً من قبل الاعداء. جاء في الآية الكريمة "إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً" (الإسراء /9).
وللأسف فإننا قد لا نستطيع في بعض الأحيان الاستفادة من هذه النعم، فالقرآن الكريم بين أيدينا ولكن الشيطان في أنفسنا، وغشاوة الهوى على أبصارنا، فيما بلادنا ما تزال تعيش الحرمان والتخلف، فكيف يجوز لنا ونحن مع القرآن الكريم، أن نعيش التمزق دون الوحدة، والاختلاف دون الاتحاد؟ وما هي العقبة التي لا تدعنا نستفيد من القرآن الكريم كأشخاص في مجال تزكية الذات، وكشعب وأمة في تحقيق طموحاتها وأهدافها؟
لنفهم باطن القرآن الكريم؟
فضلاً عن تلك التساؤلات هناك تساؤل مهم آخر يطرح نفسه وهو: كيف نحصل من آيات القرآن على تلك المعاني التي ينبغي لنا وعلينا أن نحصل عليها منه؟ فنحن نقرأ القرآن المرة بعد الأخرى ولكننا لا نستطيع أن نقرأ ما وراء السطور، ولا نستطيع أن نفهم باطن القرآن، وحتى لو راجعنا التفاسير فإننا لا نحصل على مزيد من المعلومات.
السبب بكل بساطة هو أننا لم نخترق بعد الحجاب الفاصل بيننا وبين القرآن الكريم، حينئذ ننتفع به في مجال إصلاح الذات وكذلك إصلاح المجتمع، وبالنتيجة تحقيق الغلبة والنصر على الأعداء، لأننا سنجعل القرآن الكريم راية نخوض في ظلها المواجهة، ونجعله ضياء نجاهد على هداه، وستراً بيننا وبين العدو، ولكن المشكلة تتمثل في أننا لا نكاد نفهم القرآن، ولا نكاد نتدبر في آياته وكأن بيننا وبينه حجاباً مستوراً.
عوامل وجود الحجب
هنالك أسباب وعوامل أدت الى فقداننا الجسور مع القرآن الكريم أو وجود الحجب العالية، ومن دون إزالة تلك الأسباب فان الحجب والهوة تبقى على حالها ربما لعقود وقرون أخرى من الزمن، وهذا ما يجب أن نستعيذ الله منه:
أولاً: معرفة قيمة القرآن الكريم..
كخطوة أولى يجب أن ندرك ونعرف قيمة القرآن، فمن حفظه وقرأه دون معرفة مسبقة به فإنه لن يعطيه شيئاً، فالذي يجهل حق القرآن سيجهله وينساه بدوره، بل إن هذا الكتاب سوف يتحول الى ضلالة بالنسبة الى من يجهل حقه، كما يشير الى ذلك تعالى في قوله: "ولا يزيد الظالمين إلا خسارا". لكن بمعرفة القرآن الكريم فانه يكون شفاء وضياء ونور وهدى للمؤمنين، فهم يزدادون ايماناً وتقوى بالقرآن ولكنه بالنسبة للآخرين ضلالة وحجاب وخسارة وتوغل في الفساد، وقد أ كد النبي الأكرم (ص) كثيراً على قيمة القرآن وعظيم منزلته قبيل إلتحاقه بالرفيق الأعلى قائلاً: (إني تارك فيكم الثقلين؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي) ولا يفوته (ص) أن يؤكد أن أحدهما أعظم وأكبر من الثاني، ألا وهو كتاب الله الذي استشهد أهل البيت (ع) من أجله.
ثانياً: الإيمان بمنزلة ا لقرآن الكريم
من حيث الظاهر، لايوجد من يشكك في مصداقية القرآن الكريم وإنه من عند الله العزيز القدير، وفيه السنن والحكم والتعاليم ونظام الحاية المتكامل، لكن الانسان يكون على المحك في الظروف الصعبة، وحينما يكون عند مفترق طرق مع مناهج وطرق أخرى. وهذا ما يجعلنا بعيدين عن هذا الكتاب المجيد، وإلا فمن المستحيل أن يوجد شخص يعرف القرآن الكريم حق معرفته ثم لا يفهم آياته، فالمؤمن لا يملك إلا أن يزداد إيماناً بتلاوة القرآن الكريم كما يقول تعالى: "وإذا تليت عليهم آياته زادتهم أيمانا".
ثالثاً: التلمذة عند القرآن الكريم
إن من حق القرآن الكريم علينا أن نحترمه، سواء أ كان خلال استماعنا لتلاوة بعض الآيات في المجالس العامة أو حتى الخاصة، أو عندما نريد تلاوته، بأن نتوجه بكل خشوع وخضوع لله، ونستقبل القبلة في حالة نفسية خاصة، لأن القرآن الكريم هو بالحقيقة المعلم للانسان، لذا يجب الجلوس والانتباه والتدبّر في آيات الكتاب المجيد، لا أن نحمّله أفكارنا وتصوراتنا، فالانسان دائم الخطأ والسهو، الامر الذي يجعله دائماً بحاجة الى المعلم وهو القرآن، فيوسف الصديق (ع) على عظمته ومنزلته لم يبرئ نفسه، فقال: "وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء".
ثالثاً: خلوص النيّة..
كثيرٌ من الناس يتلون الكتاب أو يرتقون المنبر ويتحدثون عن آيات الله ويشرحون فيها ويستخرجون الافكار المضيئة ويقدمونها للناس، وهو دور ومسؤولية مهمة، لكن لمن كل ذلك؟ اذا كان الجواب لله تعالى ولخدمة الدين ونشره وتكريسه، فصاحبه على خير، أما إن كان يقرأ ويشرح ليكسب استحسان الناس والرياء، فان النتيجة إن المستمعين سيذهبون الى الجنة في حين يذهب الآخرون الى النار، والحديث الشريف عن رسول الله (ص) يقول: (يطّلع قوم من أهل الجنة على قوم من أهل النار فيقولون: ما أدخلكم النار وقد دخلنا الجنة لفضل تأديبكم وتعليمكم؟ فيقولون: إنا كنا نأمر بالخير ولا نفعله). وفي حديث آخر: (رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه). ونرجو أن لا نكون من الملعونين يوم القيامة من قبل القرآن الكريم.
وهنالك عوامل أخرى قد تزيدنا بعداً عن القرآن الكريم، لكن في نفس الوقت يجب العمل على قلب المعادلة لتكون لصالح علاقتنا بالكتاب المجيد، فالعوامل والاسباب ليست كل شيء، ولا يجب أن تكون سبباً للتشاؤم والتراجع، فهذا الكتاب السماوي لا يمكن الاستغناء عنه بأي حال، لذا يجب البحث عن أفضل الطرق والاساليب للاستفادة منه، وهو ما أوصانا به أمير المؤمنين (عليه السلام): حيث قال ضمن أواخر وصاياه قبل استشهاده: (الله الله في القرآن، لايسبقنكم بالعمل به غيركم).
|
|