الفلاح بإمكانه المشاركة في استقرار العراق
|
*محمد علي جواد تقي
كلنا يُنشد الاستقرار على الساحة الاجتماعية والاقتصادية في العراق ليتمكن أهل الحكم والسياسة من تسيير أمور الناس بما فيه الخير والصلاح، ثم نتمكن بعدها القول؛ اننا بحق صورة أخرى لا تشبه ما يجري في البلاد العربية، حيث يرى العالم – ونحن معهم طبعاً- وبغير قليل من العجب كيف ان الشعوب العربية تنتقم من حكامها بتمزيق الصور وركلها والهتاف بالموت لهم، ثأراً لكرامتها وحقوقها ممن أسرفوا في النهب و أوغلوا في القتل.
نعم؛ الساحة العراقية لن تكون على شاكلة الساحة الليبية أو المصرية او اليمنية او... ولسنا بحاجة الى تغيير النظام الحاكم الحديث العهد بالحكم، لكن بشرط ان نستوفي كل شروط الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، أما ان تتعرض شريحة مستضعفة مثل شريحة الفلاحين الى إحجاف بجرة قلم، فهذا من دواعي أسفنا وقلقنا في الوقت نفسه على اهتزاز الثقة العالية بين هذه الشريحة الكريمة وبين اطراف طالما حملت (المستضعفين) شعاراً لنضالها ضد الطاغوت والديكتاتورية. والمفارقة المحزنة حقاً، أننا قضينا على جميع القوانين التي سنّها الطاغية صدام بما فيها قانون (الاصلاح الزراعي) الذي يعطي الفلاح حقه في الأرض البائر التي أحياها أباً عن جد، وجعلها أرضاً معطاءة ومثمرة، ثم يأتي البديل الجديد لنظام الحكم ويخاطب هذا الفلاح بصيغة البائع والمشتري، ليكون بين ليلة وضحاها مجرد عامل يقبض أجرة يومه ثم يرحل لأنه بكل بساطة لايملك الارض التي كان يعمل عليها حتى وان كان هو وأبوه وجده قد سقوها بعرق جبينهم.
لنبتعد عن الأرض قليلاً ونتوجه الى الانسان العراقي الأبي الذي كان ينتظر لحظة سقوط الطاغية ليستعيد كرامته وعزته ثم يدعو الخيرين والمتصدّين من الحكام المنتخبين لأن يعيدوا له حقوقه وأكثر، وإلا فان قانون تمليك الاراضي الزراعية الذي كان سائداً في عهد الطاغية لم يكن لسواد عيون الناس، إنما شرّعه الطاغية في سنين الحصار العجاف والذي كان له دور كبير في تشديد وطأتها على الشعب العراقي. واذا كنا نريد حقاً لهذا الانسان التطور والتقدم فانه لن يكون إلا على أرضه وباستثمار جهوده الجبارة لينعكس على عموم الوضع الاجتماعي والاقتصادي، فالعائلة الريفية ستبتهج بتلاحم أجزائها؛ الأب والشاب والزوجة والابناء، لأن وجهة الجميع هي الأرض، فيكون عندنا المزارع والمرأة المساعدة للرجل في عديد مهام الحقل من زراعة وتربية حيوانية، ويكون عندنا المهندس الزراعي، ثم تستقطب هذه الجهود الجبارة المكننة وسائر الامكانات المساعدة لتنمية وتطوير الزراعة من أسمدة وبذور وغير ذلك كثير. وفي نفس الوقت لن يكون عندنا شباب هاربين من الحقول الى المدن يبحثون عن فرص عمل، وفي الجانب الاجتماعي لن نواجه خطر الانحراف الاخلاقي والديني بسبب المساحة الكبيرة من الفراغ الذهني. من دواعي الأسف حقاً، أن تنتصر دول على فقرها بجحافل المزارعين والعمال المنتجين، بينما نحن نشكل جحافل شرطة ومغاوير وغيرها من التشكيلات العسكرية من ابناء الفلاحين والمزارعين.
بينما كنت أتحدث الى أحد الاخوة الذي نقل مشاهد مأساوية عن ترحيل مزارعين من اراضيهم بعد شرائها من (الملاك) او صاحب الأرض، قدح ذهنه بمثال من التاريخ وقال: ما أبعدنا عن الامام أمير المؤمنين عليه السلام...؟!! قلت وكيف ذلك؟ قال: ان الامام وفي اليوم التالي لإقصائه عن الحكم توجه بدلاً عن الأروقة السياسية واللجوء الى المحاولات الملتوية لاستعادة حقه المشروع، يمم شطره صوب أراضي شاسعة وبائرة في اطراف المدينة آنذاك، وبدأ يحرث الأرض بيده ويسقيها بعرق جبينه، وكان بعض الصحابة وغيرهم يمرون من عنده متسائلين باستغراب عما يفعله على طول الايام والشهور؟ وخلال الخمس والعشرين سنة من ابتعاده عن السياسة أوجد مساحات خضراء عظيمة في اطراف المدينة تحولت الى كنز لاينضب لأهل البيت وتركة استفاد منها الأئمة الأطهار من بعده عليه السلام، فضلاً عن انها تحولت الى مصدر خير وعطاء للمجتمع الاسلامي بثمارها وتأثيرها الكبير على البيئة وفوائد كثيرة أخرى.
نسأل الله تعالى ان نكون قريبين من ذلك العهد المضيئ ليعمّ الخير الجميع ويسود الأمن والاستقرار في صعيد المجتمع والاقتصاد ثم الاستقرار لعراقنا الحبيب.
|
|