الانتحار. . آفة نفسية يكافحها القرآن الكريم
|
*زكي الناصر
من الظواهر الاجتماعية الشاذة في العالم، ظاهرة الانتحار الخطيرة والمقيتة، حيث يصل الانسان في مرحلة في حياته يجد انه يقف أمام طريق مسدود، ولا حاجة أو فائدة من وجوده على قيد الحياة، حيث لا أسرة تؤويه ولا عمل أو نشاط مجدي بالنسبة له، ولا صداقات أو علاقات والأهم من كل ذلك انعدام الحالة المعنوية في النفس، فيجد هكذا انسان نفسه تافهاً ولايتمكن من أن يفيد نفسه أو الآخرين. وربما يكون عالة عليهم، فيثير فيهم الكراهية.
لكن لا يماري أحد من أن حالة نفسية كهذه يندر جداً وجودها في مجتمع يعتنق الدين الاسلامي الحنيف، بغض النظر عن مدى تطبيقه للتعاليم والمفاهيم الدينية، والسبب هو وجود القرآن الكريم الذي يعد بحق النافذة الدائمة للانسان نحو نسيم الحياة والسعادة، ولمن يشعر بالكآبة والضيق لأي سبب كان، بمجرد ان يقرأ آيات من الذكر الحكيم أو يستمع للتلاوة من خلال التلفاز أو المذياع يجد ان سحب الكآبة تنقشع وآثار التوتر والتشنج النفسي تزول.
الانتحار. . بالأرقام
- تقول المصادر ان في كل 40 ثانية هناك شخص ينتحر في مكان ما من هذا العالم! وفي كل عام هنالك مئات الآلاف من الأشخاص يموتون منتحرين في العالم. وفي كل عام يموت 873 ألف إنسان بعمليات انتحار مختلفة. إنها بحق ظاهرة تستدعي الوقوف طويلاً والتفكر في أسبابها ومنشئها، بل وكيفية علاجها.
وحسب إحصاءات الأمم المتحدة فإنه في أية لحظة ننظر إلى سكان العالم نجد أن هنالك 450 مليون شخص يعانون من اضطرابات نفسية وعصبية. وإن أكثر من 90 % من حالات الانتحار يرتبط سبب انتحارهم باضطرابات نفسية وتحديداً الكآبة، أي فقدان الأمل الذي كان موجوداً لديهم.
- يعدّ الانتحار السبب الثامن لحالات الموت في الولايات المتحدة الأمريكية.
- الرجال أكثر عرضة للانتحار من النساء بأربعة أضعاف تقريباً. ولكن محاولات الانتحار عند النساء أكثر.
- في 60% من حالات الانتحار يتم استخدام الأسلحة النارية مثل المسدس.
- تشير الدراسات إلى أن قابلية الانتحار لدى الشخص تكبر مع تقدم سنّه، ولذلك نرى بأن هنالك أعداداً معتبرة بين الذين يموتون منتحرين وأعمارهم تتجاوز 65 عاماً. وهؤلاء معظمهم من الرجال.
ولابد من الاشارة والتأكيد على الحقيقة الثابتة وهي ان المجتمع الذي يعيش في ظل النظام المادي حيث يجعل الفرد والمجتمع مجرد (صامولة) في ماكينة الحياة التقنية، لابد وانه يخرّج هكذا افراد، وذلك ان جميع افراد المجتمع ليسوا بالضرورة يمتلكون اسباب العيش الرغيد، وإن كانوا كذلك لفترة من الزمن، لكن ليسوا قادرين على الحفاظ على المستوى المقبول من المعيشة التي تحفظ كرامتهم، وبمجرد ان يخسر شخص ما في تجارته او عمله أو يفقد عمله او مكانته او غير ذلك، فانه يتحول الى متسول او مجرم او سارق، طبعاً الاشكال متعددة، والمعنى واحد، فهناك سارق بالمعنى التقليدي، كأن يختطف سلعة أو حاجة معروضة عن حين غفلة من صاحبها، أما اليوم فالسرقة واللصوصية عالم مليء بالدهاليز المظلمة والطرق الملتوية، فهنالك النصب والاحتيال والوعود الكاذبة وما أشبه ذلك. أما من يعجز عن دخول هكذا عالم فان مصيره يكون الانتحار برمي نفسه من شاهق أو اطلاق رصاصة على رأسه أو طرق اخرى.
الانتحار في امريكا
بما ان الولايات المتحدة تعد نفسها البلد الأكثر ثراءً ونشاطاً في التجارة والنشاط المالي، فان نسبة المنتحرين لديها اكثر من باقي الدول الرأسمالية والتي لا يدين افرادها بدين وعقيدة تحميهم من الاصطدام بالطريق المسدود. وهذه إحدى الإحصائيات الدقيقة والتي تمت عام 2002، فقد بلغ عدد المنتحرين أكثر من 31 ألف حالة. عدد الرجال منهم 25 ألف رجل، و6 آلاف امرأة، أكثر من 5000 شخص بين هؤلاء هم من المسنين الذين تتجاوز أعمارهم 65 عاماً، أما عدد الشباب بين هؤلاء (15-24 سنة) فقد بلغ 4000 منحراً.
وبناء على هذه الأرقام فإنه يمكن القول بأنه في أمريكا هنالك شخص يقتل نفسه كل ربع ساعة!! وفي هذه الإحصائية يتبين بأن هنالك 17 ألف إنسان قد قتلوا أنفسهم بإطلاق النار من مسدسهم. وهنالك أكثر من 6 آلاف شخص فضَّلوا شنق أنفسهم. وأكثر من 700 من هؤلاء ألقوا بأنفسهم من الطوابق العليا. وأكثر من 300 شخص رموا بأنفسهم في الماء فماتوا غرقاً.
ويمكن القول وسطياً بأنه في كل عام يُقتل 100 ألف شخص بحوادث مختلفة مثل حوادث السيارات وغيرها، وبالمقابل نجد أن 30 ألف شخص يقتلون أنفسهم، فتأمل هذه النسبة العالية جداً للذين يقدمون على الانتحار. ويختم القرير إحصائيته بأن هنالك 5 ملايين أمريكي حاولوا قتل أنفسهم!
القرآن الكريم يدعو الى الحياة
ذكرنا آنفاً أن القرآن الكريم الذي أنزله الى الله تعالى على صدر الرسول الأكرم هدىً ورحمة للعالمين، يبعث السكينة والاطمئنان في نفوس أهله، وينتشلهم مما هم فيه من حالة التأزّم والتوتر، فهو ليس فقط يمقت الموت وينهى عن الانتحار وبشدة، بل يدعو أيضاً الى الحياة وان يواصل الانسان طريقه ويتحمل مسؤولياته بما آتاه الله من فضله ونعمه، وقد خاطب الانسان بشكل مباشر يحاججه في ان امر الحياة والموت ليس بيده، وان عليه السعي والتوكل على الله تعالى، يقول تعالى: "قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ" (الانعام /151)، وتقول الآية الكريمة: "وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءاً كَبِيراً" (الإسراء /31).
إن من يقرأ الآية الكريمة من سورة النساء ويتدبر فيها، يجد الرحمة والرأفة الألهية العظيمة تطفح منها،
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا" (النساء /29-30)، فالقرآن الكريم والاسلام يدعوان الى الأمل في الحياة نبذ حالة اليأس والتراجع، لأي سبب كان، ويذكرنا دائماً بان الله مع المؤمنين (وهو أقرب اليهم من حبل الوريد).
ومن هنا نجد حالات نادرة للانتحار في مجتمعاتنا الاسلامية، لأن الانسان عندنا يعرف انه بهكذا عمل سيفقد دنياه وآخرته معاً، ولن ينتفع بشيء ولن يتخلص من المشاكل كما يتصور ويأمل، لأنه سيكون أمام حسب الله العسير. فما علينا هنا إلا ان نشكر الله تعالى على نعمة الايمان به والتصديق برسالته وبكتابه وبأوليائه المعصومين الهداة.
|
|