تحت الضوء
(الفراغ) السياسي والعراق الممتلئ
|
*محمد علي جواد تقي
مصطلحٌ درج مع نسيم الانفتاح السياسي والثقافي على العالم، فبات العراقيون يحوطونه بألسنتهم ويتداولونه في مجالسهم ومنتدياتهم حاله في ذلك حال مصطلحات أخرى من قبيل (المحاصصة) و (الارهاب) و(التوافق) و(المربع الأول) و(العملية السياسية) وقبل كل ذلك (الديمقراطية) وغيرها كثير من مصطلحات كهذه دخلت القاموس العراقي حديثاً، لكن القاسم المشترك لها هو الاغتراب الذي تعيشه مع واقع الناس، نعم؛ انها على صلة وثيقة بأهل السياسة والحكم من التكتلات والاحزاب السياسية الموجودة، وهؤلاء بدورهم يريدون من خلال التمنطق بهذه المصطلحات، الظهور أمام الرأي العام لتقديم الجديد والسعي لنقل العراق الى مرحلة جديدة في السياسة والاقتصاد والاجتماع والأمن.
لنسلّط الضوء قليلاً في هذا الحيّز المحدود على (الفراغ) الذي يتحدث به رجال الحكم حالياً نظراً لحالة الترقّب المشوب بالحذر منذ اعلان نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، وما يسببه من مخاض عسير لتشكيل الحكومة المرتقبة وتحديد الرؤساء الثلاثة؛ الجمهورية والوزراء ومجلس النواب، فيُقال هنالك (فراغ) سياسي في البلاد، وهو مصطلح تتداوله بلدان كثيرة ، كما هنالك الفراغ الدستوري، لكنها ليست العراق بظروفه الاستثنائية ومكانته الاقليمية والدولية، وإذا كان ثمة إصرار على هذا المصطلح، نقول إن الفراغ الحقيقي ما حصل بعد الساعات الأولى من سقوط أول صنم للطاغية في بغداد عصر اليوم التاسع من نيسان عام 2003 وما تلاه من أيام عصيبة وعجيبة على هذا الشعب. أما الآن فان كل شيء في مكانه الى حدٍ كبير، فقد طُبقت الديمقراطية والتجارب الانتخابية، وحُدد مصير التواجد العسكري الأمريكي، وتمت تسوية ملف الطائفية بنسبة لا بأس بها، بل والأهم من كل ذلك رفع الستار عن الدور الأقليمي المباشر في الحياة السياسية، وزال الحرج أمام السياسيين باقامة الزيارات واللقاءات الوديّة وتبادل الابتسامات والمجاملات متجاوزين سجل المتناقضات والصراعات الدامية. في ظل وضع كهذا لا يعترف العالم بوجود فراغ في العراق الكبير والمهم حضارياً وثقافياً واقتصادياً. انه سيعمل لمد الجسور وخوض التنافس لحجز موطئ قدم في هذا البلد، ولن ينتظر مجموعة من السياسيين في بغداد ليخرجوا من أماكنهم الخاصة ويقتنعوا بجدوائية اللقاء والاجتماع على طاولة واحدة وتحت سقف واحد ويعلنوا اتفاقهم على اسم رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب.
هكذا كان حال دول كثيرة في العالم مرت بتجربة كهذه، مثل اليابان وكوريا وايران و روسيا وغيرها، فقد شهدت حروباً وثورات وانقلابات، لكن بعد مضي فترة من الزمن وجدت العالم كله على مائدتها، وهو يتسابق بالقول: (أي خدمة...؟!)، وكما نعرف ويعرف الجميع بان العراق ليس روسيا ولا كوريا أو غيرها، فهو على درجة كبيرة من الحساسية إزاء الخدمات المقدمة له من الخارج، فهو يرى اذا كانت تنسجم مع ما يتناوله أم لا؟ وربما يكون هنالك تدافع في الأمر، فيُلقى على المائدة ما لا يليق، فنسترعي الانتباه...! وإلا ماالذي يدفع وزير الثقافة في الحكومة المنتهية ولايتها، أن يخوّل السفير العراقي في الفاتيكان لتوجيه دعوة لزعيم الكاثوليك في العالم لزيارة العراق، بحجة زيارة المناطق الأثرية في الناصرية مثل (زقورة أور)؟ ومن نافلة القول: إن رئيس النظام البائد حاول استدراج البابا السابق (يوحنا بولس الثاني) الى العراق بحجة زيارة مسقط رأس النبي ابراهيم (عليه السلام)، وذلك في سني التسعينات، لكن وقفت الادراة الامريكية بالمرصاد لهذه المحاولة وأحبطتها رغم الرغبة الشديدة للبابا. فصدام اراد الخروج من عنق الزجاجة الامريكية بمجيء البابا السابق، فماذا يريدون جماعتنا من زيارة البابا الحالي مع ما يعلق به من شوائب وأوساخ الفضائح الجنسية لأصحابه القساوسة عبر العالم؟
نعيد السؤال مرة أخرى، ربما هنالك من له جواب آخر: هل يوجد حقاً (فراغ) في العراق؟
|
|