قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

اسئلة الوطن المفتوحة
اياد محسن
الشعوب الحية هي التي تقوم, وفي نهاية كل مرحلة تعيشها, بعملية تقييم شامل , وتفتح أبواب التساؤلات الجريئة, اين تكمن مواطن الصواب؟ ,وما هي وسائل ديمومتها وبقائها؟ ما هي أسباب الفشل والطريق الذي يمكن سلوكه لتفاديها في المراحل اللاحقة ؟. ما حدث بعد 9/4/2003, هل سار كما كان مرسوما له وهل كان بمستوى الطموح في مجال السياسة والخدمات والتعايش السلمي بين المكونات؟ المعارضة السياسية للنظام الشمولي , وأبناء الداخل, هل أدى كل منهم دوره ... قطارنا نحن أبناء هذا الوطن هل يسير على جادة الصواب ؟؟. تقول النخب السياسية.. ان الكتاب والمثقفين مارسوا عملية النقد اللاذع واشروا الإخفاقات , وقلما كانوا يشيرون إلى مواطن ايجابية , جزء كبير من نخبنا المثقفة وعامة الناس تقول ان الأداء السياسي لم يكن بمستوى الطموح , وان السياسة لم تعدو كونها اداة لاستغفال الشعب, ووسيلة لبناء طبقة سياسية مرفهة وسط جماهير وصل استيائها حد الكفر بالسياسة وروادها.
كلما ظهرت مشكلة في الواقع السياسي, الذي يشكل والى حد ما انعكاس للواقع الاجتماعي, تسعى الكتل لإيجاد الحل, وبعد فترة نكتشف إن الحل أضحى بذاته مشكلة معقدة تحتاج الى حلول, فمثلا كانت جميع الأقليات تسعى لإثبات الوجود ولم يكن الحل سوى ترك خيار حكم الأكثرية وتشكيل حكومة شراكة وتوافقات, سرعان ما لمسنا حجم الكوارث التي سببتها على مستوى إدارة الدولة العراقية وصناعة القرار فيها .مجالس الصحوات كانت حل لمشكلة الطاقة البشرية, التي لا بد من احتوائها وتحويلها من حاضنة للإرهاب الى كونها ساندة لأمن البلد وحمايته, هذا الحل تحول الى مشكلة وصار الملف محلا للشد والجذب بين الكتل والمكونات .
المشكلة تولد الحل والحل يمثل المشكلة, فهل كان الخلل بالآليات المتبعة في معالجة الملفات ام ان الواقع العراقي.. هو كما هو.. بهذا التعقيد الذي لا يمكن لاي سياسي ان يحوله بعصاه السحرية الى نموذج لدولة آمنة ومستقرة. تاريخ البلد وحاضره.. الدماء التي ساحت بين رافديه ..تركيبته الاجتماعية وتنوعها ..موقعه الجغرافي وتضاريسه المختلفة..كلها عوامل تمثل أرقام في معادلة لا تنتج الا ما نعيشه ونقاسيه .
اكبر العقد التي أعاقت العملية السياسية, هي ان الكتل التي كانت تعارض سياسة الحكومة, لم تمارس الدور في مجلس النواب فيما يتعلق برصد الأداء الحكومي وكشف سلبياته بل اشتركت في الحكومة وشكلت جسما غريبا فيها ما أدى إلى ان لا تكون معارضة بل معرقلة ومعيقة لأكثر المشاريع والسياسات وكانت بمنزلة العصا التي أربكت عجلة السلطة التنفيذية, إذ السلطة التشريعية هي المكان المناسب للمعارضة وليس السلطة التنفيذية وعلى من يشترك في الحكومة ان ينسجم مع أداءها وتوجهاتها. الأجهزة الأمنية تعددت وتقاطعت في الاختصاصات، استنزفت أموال ومعدات، الا ان أدائها (رغم التضحيات) لم يكن بمستوى الحدث الإرهابي ووحشيته. الوزارات التي استحدثت لإرضاء بعض الكتل والأخرى التي شكلت لاستيزار بعض الشخصيات والتي لم تضع أثراً في ارض الواقع حتى ان الناس لم تكن معنية ببعضها ولا تعرف موقعها ومن يديرها .هل كان القضاء مستقلا ...وهل وقف على مسافة واحدة من الجميع ...هل تعامل مع الوزير والنائب .. كما تعامل مع المواطن .هل مارس دوره في ملاحقة الجريمة والفساد والحد منهما وهل كانت الأحكام الصادرة تستند الى المهنية القانونية ام كان جزء منها يستند الى الموروث الثقافي والجذور الاجتماعية .. هل العراق دولة دينية ..ام مدنية ...ام عشائرية قبلية ..هل هو دولة مركزية ام لا مركزية ام فدرالية ام كونفدرالية ...ام انه نظام عشوائي ...خليط غير متجانس لانظمة متناقضة
قائمة مفتوحة من التساؤلات ربما تكون بدايتها يوم الخلاص من النظام الدكتاتوري، اما نهايتها فأقل ما تقول عنها انها مفتوحة ولا متناهية.طبعا لا يمكن لاي مراقب موضوعي ان ينكر ما تحقق من انجازات ...الدستور خيار الشعب الذي صوت عليه ..الديمقراطية ..حرية الصحافة والمساحة المفتوحة للاعلام ...التداول السلمي للسلطة ..مجلس نواب ومجالس محافظات منتخبة اشياء كثيرة ربما لن تتحقق في الكثير من الدول الاقليمية على المستوى القريب , غير ان هذه المنجزات ظلت حبيسة الهرم الاداري والسياسي والنصوص الدستورية والقانونية والكثير منها لا يفهمها المواطن وربما لا تعنيه طالما لم تنتج اثرا في واقعه المعاشي والخدمي، وربما يكون مقياس نجاح السياسة لدى المواطن في الطعام الذي يتناوله والراتب الذي يتقاضاه والبيت الذي يسكنه، هو يريد نتائج ايجابية يلمسها ورفاهية يعيشها، ولا يكترث بعد ذلك لشكل النظام الذي يحقق ذلك ..!.
الشعوب تلعن وتمقت الانظمة التي تقتلها وتصنع فاقتها وحرمانها سواء أكانت دكتاتورية ام ديمقراطية وابناء شعبنا فعلوا ذلك مع النظام الدكتاتوري فهل ستدفعه النتائج التي لا تلبي الطموح الى فعل ذلك تجاه النظام الديمقراطي !؟. نحن لا نتمنى ذلك خصوصا والمرحلة القادمة ستشكل انعطافا في المشروع الديمقراطي العراقي ولا بد من تضافر الجهود لإنجاح التجربة التي تعني نجاح الجميع ممن يؤمنون ببناء العراق الوطن ...العراق الدولة .