تحت الضوء
ما هكذا تورد الإبل...!
|
محمد علي جواد تقي
عجيب أمر بعض السياسيين الخائضين تجربة الديمقراطية الحديثة في العراق.. فهم يتحدثون عن السعي لنجاح هذه التجربة من خلال التفاعل الجماهيري والمشاركة العامة، لكن على صعيد العمل، نجد أنهم من حيث لايشعرون يبعدون الناس عن هذه التجربة، بل يجعلونها كريهة الى حدّ التقزز.
فاذا كانت الديمقراطية من حيث المفهوم والمنطوق تعني مشاركة ابناء الشعب في صنع القرار عبر ممثل أو نائب ينتخبونه ثم ليجتمع مع زملائه وأقرانه تحت قبة (البرلمان) ويشكلوا فيها السلطة التشريعية، فان المفروض والبديهي أن يعيشوا باستمرار الأجواء البرلمانية، فيما يعيش النائب أجواء المجتمع، ليصحّ حينها القول بان كل القوانين والتشريعات أو معظمها إنما تصوت عليها تحت أنظار ابناء الشعب، من جانب آخر، فان النائب لا يناقش قانوناً ولا يرفع يده موافقاً ولا يضعها معارضاً إلا ويعكس بذلك واقع المجتمع وحاجاته ومتبنياته الثقافية والحضارية، أما اذا رأى ابناء المجتمع تلك المعايشة تأتيه في الايام القليلة التي تسبق الانتخابات البرلمانية، فانهم وبفطنتهم وثقافتهم الجديدة وسعة اطلاعهم، يعدون هذه المعايشة مجرد (حملة انتخابية) أو (استهلاك دعائي) هم في غنىً عنه.
هنا أحتمل أن المرشحين للانتخابات القادمة لم تصلهم التعليقات المرفقة بالتهكم والسخرية على هذا السلوك السياسي غير القويم، ولذا يظهرون هناك وهناك ليعرضوا خدماتهم ويبحثوا عن المشاكل والأزمات ليسهموا في حلّها، وهم في ذلك يعدون أنفسهم في سباق وتنافس على عمل الخير فيما بينهم. ومن يتخلف يكن من الخاسرين!
لكن هذا الاحتمال أو العذر الذي سقناه قسراً، بدل أن يشفع للطامحين نحو مقاعد مجلس النواب، فانه بالحقيقة (عذر أقبح من الذنب)، لأن هذا يُعد في كل الأحوال نوعاً من الاستغفال وخطوة نحو تسطيح الوعي الجماهيري الذي يجب ان يرفضه كل مثقف واعِ وغيور على ثقافة شعبه وكرامة أمته.
في هذا الحيّز المحدود لن نعطي أحداً درساً في الأداء الحزبي المعمول به في الغرب، فنحن أحوج الى الى النصيحة والدرس والعبرة، لكن يعزّ عليّ أن يظهر ابناء شعبي بأثواب ليست من لبسه، بسبب سوء التصميم والتخطيط، فالاحزاب السياسية الناجحة في العالم لها تنظيمات اجتماعية وتشكلات ثقافية وقنوات فكرية، فهي موجودة في الشارع وفي جميع شرائح المجتمع تقدم ما لديها ويبقى الخيار لأفراد المجتمع، فان كانت الافكار والتوجهات مقنعة ومفيدة كانت الى النجاح أقرب وحظها في سباق الانتخابات أوفر، والعكس بالعكس تماماً. ولا اعتقد ان الاحزاب والكيانات الطامحة اليوم في العراق تريد الخسران والهزيمة، في الانتخابات الجديدة المرجو اجراؤها في العاشر من كانون الثاني القادم، لذا أرجو أن لا (يأكلوا الخبز بسعر يومه) ولا يتخذوا من الثقافة (سلعة يتم تسويقها) كما عبّر عن الثقافة أحد ابرز المثقفين والاعلاميين عندنا في العراق، وأيضاً لا يكونوا مثل ذلك الأعرابي في الجاهلية عندما أورد أبله للسقاية، وبدل أن تتزاحم أعناق الإبل على الماء وقفت مصطفة جنباً الى جنب لتشرب الماء، فصيح به من بعيد: (ما هكذا تورد الإبل يا سعد....)!
|
|