المسؤول بثقافة وتعامل كهذين يبني ويدير دولة
|
ونحن على ابواب حلول شهر رمضان المبارك، شهر التوبة والرحمة والاستغفار والتكافل والتواصل والدعاء والقرآن وتزكية النفوس والابدان والاعمال ، نرجو قراءة هذه الحادثة بدقة وجدية وعناية، ثم للقارىء الكريم ، و المسؤول، أن يفكر ويستلهم العبر المفيدة.
جاء رجل إلى رسول الله (ص) وقد بلي ثوبه، فحمل إليه اثني عشر درهما، فقال (ص) : "يا علي خذ هذه الدراهم فاشتر لي ثوباً ألبسه". قال الامام علي (ع) : "فجئت إلى السوق فاشتريت له قميصاً باثني عشر درهماً، وجئت به إلى رسول الله ، فنظر إليه، فقال: "يا علي، غير هذا أحب إليّ، أترى صاحبه يقيلنا؟" فقلت: "لا أدري"، فقال: "انظر"، فجئت إلى صاحبه فقلت: "إن رسول الله قد كره هذا، يريد ثوبا غيره فأقلنا فيه"، فرَدَّ عَليّ الدراهم، وجئت بها إلى رسول الله فمشى معي إلى السوق ليبتاع قميصاً، فنظر إلى جارية جالسة على الطريق تبكي، فقال لها رسول الله: "ما شأنك؟" قالت: "يا رسول الله إن أهل بيتي أعطوني أربعة دراهم لأشتري لهم بها حاجة فضاعت فلا أجسر أن أرجع إليهم"، فأعطاها رسول الله أربعة دراهم، وقال: "ارجعي إلى أهلك"، ومضى رسول الله إلى السوق فاشترى قميصاً بأربعة دراهم، ولبسه وحمد الله، وخرج فرأى عرياناً يقول: "من كساني كساه الله من ثياب الجنة"، فخلع رسول الله قميصه الذي اشتراه وكساه السائل، ثم رجع إلى السوق فاشترى بالأربعة التي بقيت قميصاً آخر، فلبسه وحمد الله ورجع إلى منزله، وإذا بالجارية جالسة على الطريق تبكي، فقال لها رسول الله: "ما لك لا تأتين أهلك؟" قالت: "يا رسول الله إني أبطأت عليهم وأخاف أن يضربوني"، فقال لها رسول الله: "مري بين يدي ودليني على أهلك"، فجاء رسول الله حتى وقف على باب دارهم، ثم قال: السلام عليكم يا أهل الدار فلم يجيبوه، فأعاد السلام فلم يجيبوه، فأعاد السلام فقالوا: "عليك السلام يا رسول الله ورحمة الله وبركاته"، فقال لهم: "ما لكم تركتم إجابتي في أول السلام والثاني؟" قالوا: "يا رسول الله سمعنا سلامك فأحببنا أن نستكثر منه"، فقال رسول الله(ص) : "إن هذه الجارية أبطأت عليكم فلا تؤاخذوها"، فقالوا: "يا رسول الله هي حرة لممشاك"، فقال رسول الله(ص): "الحمد لله، ما رأيت اثني عشر درهماً أعظم بركة من هذه، كسا الله بها عريانين، وأعتق بها نسمة".
ترى، كم من الدروس التي يمكن أن تعطينا هذه الحادثة الكبيرة في تاريخنا؟ وكم مشكلة استطاع رسول الله(ص) أن يعالجها من خلال هذا التواجد والحضور بين الناس؟ وكم هو جميل أن ينعكس هذا السلوك الرائع على كل مسؤول في الدولة فيقتدي به ويتعلم منه؟ وكم من المشكلات التي يعاني منها الناس سوف تجد طريقها للحل والعلاج إذا ما قلد المسؤولون رسول الله (ص) في هذا الجانب؟
إننا بحاجة إلى الابتعاد عن الروتين وتعقيدات الأنظمة الإدارية التي تجعل المسؤول والوزير وصاحب القرار يرى الأمور من خلال التقارير والملفات المكدسة والنظريات المنمقة والشعارات الرنانة بلا طائل، فلكي نستطيع أن نتجاوز الأزمات المتراكمة على أكثر من صعيد، على المسؤولين أن ينزلوا إلى الشارع، لكي تكون الصورة أوضح بالنسبة إليهم ويكونوا اقرب لهموم الناس اليومية، وبدلاً من الاجتماعات التقليدية يستطيع كل مسؤول أو وزير أن يوزع مساعديه لكي يكونوا بين الناس أكثر الوقت، بعيداً عن مكاتبهم فيقضوا حاجات المواطنين ببساطة كما كان رسول الله (ص) يفعل ذلك من دون هذه التعقيدات الإدارية التي تضيع الجهد والوقت.
لقد استطاع الرسول(ص) من خلال البساطة في التعامل مع الأمور بعيداً عن التعقيد ومن خلال قربه من الناس أن يقيم أعظم حضارة ويبني دولة في ثلاث عشرة سنة، وهذا ما نحتاجه اليوم إذا كنا نريد فعلاً أن نحصل على تنمية حقيقية في بلادنا، فمع قليل من التواضع والابتعاد عن البروتوكولات والرسميات نستطيع أن نوجد ثورة إدارية في مرافق الدولة على كل صعيد لا شك أنها سوف تنعكس على واقعنا لكي يبدو أفضل وأجمل. إن المشكلة قد لا تكمن في وجود الخطط والمشروعات وقد لا تكون في عدم تشخيص الأزمات التي يعاني منها الناس، ولكنها تكمن في طريقة الأداء الإداري لطاقم الدولة الذي أصبح بحاجة إلى تغيير جدي وليس هناك أنجح وأنسب من الأداء الرائع الذي مارسه رسول الله ونجح به في كسب محبة الناس وبناء دولة منيعة، وقد قال ربنا عز وجل: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً".
|
|