القسم في القرآن الكريم
(النفس اللوامة)
|
*إعداد / مصطفى محمود
القسم يعني الربط بين حقيقتين مع بعضهما وقد يكون الربط مجهولاً عند المجتمع ومعلوماً عند المتحدث كما لو اقسم شخصاً بحياته بقوله (بحياتي) فيربط عمره بذلك الأمر ويرى أن قيمة حياته تساوي قيمة ما يقسم عليه.
والباري تعالى تارة يقسم بالظواهر الطبيعية كالشمس بقوله: "والشمس وضحاها" وتارة بالطعام مثل : "والتين والزيتون"، وتارة يقسم بحالة نفسية داخل الانسان، وليست حالة خارجية، مثل الليل أو النهار أو الشمس أو القمر وغيرها، يقول تعالى في سورة القيامة: "وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ" (القيامة /2)، فعندما يقسم البارئ عزوجل بالظواهر الطبيعية ونعمه في الارض، انما يريد ان يرشدنا الى شأن تلكم الاشياء عنده تعالى، لذا فان القسم بالنفس اللوامة يؤكد لنا الاهمية التي يرشدنا اليه تعالى لهذه الحالة النفسية الخاصة.
وقد جاء في القرآن الكريم التطرق الى النفس في سياقات سلبية، فقد وسمت هذ النفس بانها (الأمارة بالسوء)، لكن عندما تعرف بوجهها الآخر، فان الله تعالى يعلي من شأنها ويقسم بها في كتابه المجيد، لكن ما هو معنى اللوم أو (النفس اللوامة)؟
اللوم، هو حالة وجدانية تحصل عند الانسان بعد احساسه بأنه عمل عملاً خاطئاً، وإذا ما كان هذا الخطأ عبارة عن ذنب ارتكبه العبد بحق الله او بحق الناس فإنه ينمّ عن وجود ضمير حي في داخله، هذا الضمير يمثل المناعة المعنوية للنفس ضد الذنوب. فكما أن لكل انسان مناعة في جسمه تقاوم هجوم الفيروسات وعوامل المرض المتعددة داخل جسمه، وهو ما يؤكده علم الطب، فان الله تعالى أودع في كل انسان فطرة الضمير نعمة منه تعالى، وتبقى هذه الفطرة التي هي كالمناعة المعنوية ضد الذنوب، فإذا داوم الانسان على مشارطة نفسه بعدم الاقتراب من الذنوب ومحاسبتها إذا اذنبت، تبقى شعلة الضمير متوهجة وهذا ما يعطينا معنى النفس اللوّامة وهي النفس التي تمتلك تلك المناعة المعنوية او قل الضمير الحي، فإذا اراد أن يقدم الانسان على ذنب ما، بتسويل من النفس الأمارة بالسوء، نبهه العقل بذلك، ولكن إذا اصرّ وعمل ذنباًَ يأتي هنا دور الضمير فيؤنب صاحبه لتكون بداية التوبة وهذه الحالة إذا استمرت عند الانسان بحيث بعد أن يندم يعزم بصدق على عد الرجوع الى الذنب سوف تقوى مناعته المعنوية بحجم مراقبته لنفسه ومحاسبته لها فيصل الى درجة أن لا يقرب الذنب وهي درجة النفس المطمئنة التي هي من صفات الانبياء والرسل صلوات الله عيلهم أجمعين بل تتسامى النفس المطمئنة الى درجة أن تعمل بترك الأولى والذي كان من صفات الأئمة المعصومين عليهم السلام.
أما إذا عمل الفرد ذنباً ولم يحاسب ولا يعاتب نفسه، فإن شعلة الضمير سوف تخبو لديه حتى تنطفئ فيضحى ميت الضمير لا يأبه بما يعمل من الذنوب والخطايا وإيذاء للناس بل يصل به الحد الى أن يتسافل من النفس اللوّامة الى الأمّارة بالسوء والى المزينة التي تزين اخطاءه له وتبرر اعماله فيرى الحق باطلاًَ والباطل حقاً.
|
|