تحت الضوء
لا شكرَ على واجب
|
*محمد علي جواد تقي
طالما يتحدث زائرو الإمام الحسين (عليه السلام) عن كربلاء وأهلها، وعن (الماء السبيل) في كل مكان، وعن الراحة النفسية في قضاء الليالي الهادئة قرب المرقدين الطاهرين، وعن طريقة التعامل مع الزائرين وكل قادم من القرى والمدن العراقية أو من قرى افغانستان أو كشيمر أو الخليج أو المغرب العربي أو افريقيا، وهم بذلك لا يشكرون أهالي كربلاء المقدسة على كل ما يقدمونه للآخرين، بل يشكرون الإمام الحسين (عليه السلام) ويشكرون الله قبل ذلك، على نعمة الولاية أولاً، وكل الدروس والعبر التي ألهمها للأجيال، حتى بات من يدخل كربلاء على مر الزمن سواءً أكان زائراً أم مقيماً لطلب العلم أو لطلب الرزق، فانه يعد نفسه قد تتلمذ في مدرسة كربلاء، وليس فقط يتجول في طرقاتها ويكسب العلم والمال ثم يُقال له (كربلائي)!
نعم... إنه الواجب من أهالي كربلاء بأن يعيدوا ملحمة الطف ثانية على نفس الارض التي وقف عليها الامام الحسين (عليه السلام)، فهم لم يواجهوا دبابات صدام وصواريخه ومدافعه الثقيلة فقط، إنما واجهوا أيضاً الزيف الذي حاول أن يمتطيه ليثبت وجوده أمام الناس ثانيةً، كما حاول سلفه يزيد فعل ذلك فخابّ ظنه يوم عاشوراء.
هذه الثقافة والروحية الرسالية نجدها حيّة نابضة في نفوس طلائع المشاة الى كربلاء المقدسة مع كتابة هذه السطور أي قبل أكثر من عشرة أيام من زيارة الأربعين، وما يبعث على الارتياح والتفاؤل المبادرات الذكية لأصحاب بعض المواكب والهيئات الحسينية ببناء حسينيات خاصة بهم في كربلاء المقدسة ليتسنّى لهم الاقامة واستقبال الزائرين بشكل أفضل وأكثر تنظيماً من الخيام والسرادق المؤقتة، فهم يعدون أنفسهم من أهل المدينة، وهذه بالحقيقة خطوة اخرى نحو الاندماج في الهمّ الحسيني وتجديد الولاء دائماً مع الإمام الحسين (عليه السلام)، واذا اصطفت الى جانب الفنادق والمطاعم، حسينيات لـ (أهالي عفك) و (القاسم) و(طوزخورماتو) و(القطيف) و(البحرين) و.... فان المدينة المقدسة ستستعيد طابعها الحقيقي.
لكن، هل هذا الواجب يشعر به الناس العاديون وهم من الكسبة والطلبة والشرائح المختلفة من المجتمع فقط؟ هم فرحون مستبشرون بالوعد الإلهي من وراء أدائهم الواجب أزاء كل ماأخذوه من دروس الإباء والحرية والسعادة الدنيوية والأخروية، لكنهم يعيشون اليوم في ظل نظام حكم انبثق من بين جنباتهم ولله الحمد، فلا ينبغي أن يسمعوا ما سمعوا قبل سنوات من أنه (لا ضير بقطع الطرق من مسافات بعيدة جداً، فالزائرون عادّون أنفسهم للسير على الاقدام الى كربلاء)! والكلام كثير عن الخدمات في زيارات مليونية كهذه، ونترك بقية الحديث لأيام الزيارة، فكل خدمة وكل خطوة وكل كلمة، إنما هي ردّ الجميل وأداء الواجب أزاء كل ما قدمه الإمام الحسين (عليه السلام) من تضحيات.
|
|