موائد الطعام خلال زيارة الاربعين..
أصالة الضيافة والعلاقة الإيمانية بالنظافة وبقدسية كربلاء
|
تحقيق / نزار علي
تتميز زيارة الأربعين في كربلاء المقدسة ومنذ القدم باقامة الموائد لاطعام زائري الإمام الحسين (عليه السلام) في هذا اليوم الذي أوصانا به أئمتنا الأطهار، لذا يقال عندنا في كربلاء المقدسة إن عاشوراء لأهالي كربلاء، والاربعين لأهالي المدن الأخرى في العراق وسائر مدن العالم، ومن أجل ذلك نجد المواكب والهيئات بأعداد متزايدة كل عام، تحمل أسماء لعشائر ومدن وقرى وحتى عوائل كبيرة تتسابق للحصول على موطئ قدم في مدينة الحسين (عليه السلام)، قبل المناسبة بأيام، لهذا الغرض، وهي تجد في عملها هذا مشاركة الزائر في الثواب الجزيل بزيارته يوم الاربعين.
وفيما نحن نشدّ على الأيدي ونبارك الجهود نشحذ الهمم للمزيد من العطاء لإحياء نهضة الامام الحسين، نذكر بعوامل هامة جداً لتعزيز وتكريس هذه الشعيرة الحسينية المقدسة في النفوس، والحؤول دون زعزعتها أو غضّ الطرف عما قد يلحق بها من سلبيات أو افرازات لمشاكل معينة تحدث لا محالة في أجواء استثنائية حيث الزحام وقلة الامكانات والخدمات في مدينة صغيرة مثل كربلاء المقدسة، وتأتي النظافة في مقدمة العوامل التي تجعل من زيارة الاربعين حدثاً عالمياً ومتفاعلاً في النفوس.
ومن أجل ذلك جالت (الهدى) كربلاء المقدسة لتسلّط الضوء على قضية إعداد الطعام لزائري يوم الاربعين، واستطلعت من اصحاب المواكب والزائرين وخطباء المنبر والحوزة العلمية وأيضاً المسؤولين الحكوميين، آراءهم ودورهم، علّنا نحقق التعاون المطلوب ونخرج بحلّ لمشكلة النظافة خلال وبعد إعداد الطعام في زيارة الاربعين.
ثقافة النظافة
إن قضية إعداد الطعام وذبح المواشي من قبل المواكب الحسينية و توفير الطعام من الصباح وحتى المساء للزائرين القادمين سيراً على الأقدام من مسافات بعيدة تؤكد خصلة الكرم المتجذرة في نفوس هذا الشعب المؤمن، لكن هذا العمل يرتبط ارتباطاً وثيقاً بقضية إيمانية أخرى وهي النظافة حيث تتطلب عملية إعداد الطعام وذبح المواشي مراعاة جانب النظافة، نظراً المحدودية الشديدة التي تعاني منها المدينة المقدسة جغرافياً، فنحن نجد الى جانب الزائرين في الشوارع والأزقة، هنالك أعداد كبيرة من المواشي تربض على الأرصفة أو يستغل أصحابها المباني الخربة أو مواقف السيارات للاحتفاظ بها، وهي مشكلة، والمشكلة الأكبر عند الذبح، والحديث ساخن منذ سنوات على من هو المسؤول: هل المواكب أم البلدية؟
للوقوف على هذا الموضوع كان لـ (الهدى) أولاً وقفة مع أصحاب المواكب الحسينية لمعرفة كيفية تعاملهم مع قضية إعداد الطعام و رأيهم بالنظافة خلال زيارة الأربعين.
يقول المواطن (صباح كامل) من ميسان ومسؤول موكب (أنصار الزهراء) في حديثه لـ(الهدى): إن مسألة إعداد الطعام لها علاقة مباشرة بالنظافة والمحافظة على عدم تلوث الشارع بمخلفات الطبخ كما وإن عملية ذبح المواشي التي تزداد خصوصاً في هذه الزيارة المباركة فلابدّ للمواكب من مراعاة هذا الجانب المهم حيث يجب وأن يكون الذبح وفق الشروط الإسلامية والصحية وتنظيف المكان بعد ذبح الماشية وجمع الفضلات الناتجة عن ذلك والتخلص منها ويتم أما عن طريق أصحاب المواكب أو عن طريق تخصيص حاويات وعمال نظافة من قبل بلدية كربلاء لهذا الغرض.
فيما يبيّن المواطن (عديّ حاچم) من محافظة البصرة ومسؤول موكب حسيني، إن مسألة النظافة يجب أن تراعى في عملية إعداد الطعام وتوزيعه على الزائرين ولابدّ أن يتم تثقيف الجميع للتأكيد عليها خصوصاً وإن الإسلام قد أوصى بها للحفاظ على جمالية المدينة ونظافتها وكذلك المحافظة على البيئة من التلوث.
ويضيف حاچم: للأسف نشاهد بعض أصحاب المواكب يقومون بذبح الماشية في وسط الشارع ويتركون مخلفات الذبح تعبث بها الحيوانات السائبة وهذا ما يؤثر على جمالية مدينة كربلاء وقدسيتها، من جانب آخر فان بعض الزائرين يتركون أواني الطعام بصورة غير لائقة على الأرصفة وكذلك رمي الطعام على الأرض وهذا الأمر يحتاج إلى تفعيل الدور التثقيفي من قبل أصحاب المواكب أو حتى من قبل خطباء المنبر الحسيني للتخلّص من هذه الظاهرة والمحافظة على نظافة المدينة.
أما المواطن (مخلّد كاظم) من موكب (أم البنين) في محافظة كربلاء المقدسة فيعد الحفاظ على النظافة في عملية إعداد الطعام وتوزيعه على الزائرين أمراً مهماً ويقع على عاتق الجميع، ويقول في معرض حديثه لنا: نعاني كثيراً في كل زيارة من عدم وجود مكان مناسب وكبير لإعداد الطعام وتهيئته فضلاً عن عدم وجود سيارات البلدية الخاصة بجمع النفايات وقلّة الكادر لجمع الأوساخ والفضلات الناتجة عن عملية الطبخ وذبح المواشي والمواد الغذائية الأخرى، خاصة وإن أغلب المواكب الحسينية تقوم بطبخ كمية كبيرة من الطعام ومن ثم لابدّ من مراعاة عدم تبذير ورمي الطعام الفائض أو المتبقي لأنه من نعم الله علينا.
ومن جانب أهالي كربلاء والحكومة المحلية فيها وكيف ينظرون إلى هذا الموضوع والبدائل الكفيلة به، يرى الإعلامي (حيدر مرتضى) من كربلاء، أهمية تفعيل الدور الرقابي من قبل الجهات الحكومية ومنها هيئة المواكب الحسينية التابعة للعتبتين المقدستين في كربلاء و وضع الشروط الخاصة بعملية الطهي وإعداد الطعام وكذلك الرقابة الصحية على عملية ذبح الأغنام والماشية للقضاء على الحالات السلبية والمحافظة على صحة الزائرين والمنظر اللائق للمدينة المقدسة.
ويتابع مرتضى حديثه: يتوجب من أصحاب المواكب الحسينية توظيف عدد من أفرادها للقيام بعملية التنظيف التي ترافق عملية إعداد الطعام، و يوضّح بأن بعض هذه المواكب لا تراعي في عملية الذبح جانب النظافة والوقاية الصحية وتعتمد في ذلك على تقاليدها وطريقتها المتبعة في مدنها وقراها وهذا شيء غير مرغوب به.
بينما يفضّل المواطن (حسن الموسوي) في منطقة باب بغداد في كربلاء اتخاذ أماكن خاصة لعملية ذبح المواشي وإعداد الطعام من قبل المواكب الحسينية في كربلاء كأن يتم تخصيص المجازر التابعة للمحافظة والموجودة في منطقتي الإبراهيمية وطريق النجف في أيام الزيارة لهذا الغرض لضمان ذبح المواشي والأغنام بصورة صحيحة وغسلها ومن ثم نقلها إلى الموكب داخل المدينة المقدسة.
من جانبه يضيف المواطن (حيدر محمد) والذي يسكن في منطقة باب طويريج في مركز المدينة: ألاحظ خلال الزيارات التي تستقبلها كربلاء أن بعض أصحاب هذه المواكب يقوم بطبخ الطعام باستخدام الحطب على الشارع المعبد وهذا ما يتسبب بتصدعات وتآكل في الأسفلت الذي يذوب عند تعرضه للحرارة، وينتج حفر وتقعّر على أطراف الشوارع، ولذا نوصي الأخوة إعداد الطعام في مكان نظيف وبعيد عن الشارع، أو فرش طبقة من الرمل قبل وضع الحطب لكي لا يتوسخ الشارع ويبقى محافظاً على نظافته وصلابته.
دور الحكومة
من الصحيح أن القضية تدور بمعظمها حول المواكب والهيئات، فهي التي تقيم الخيام وهي التي تنصب القدور الضخمة والكثيرة وهي التي تذبح وتنحر وتطبخ و....، لكن الصحيح أيضاً أن هنالك في كربلاء المقدسة حكومة محلية لها ميزانيتها، وهي لاشك تطالب بالكثير من وزارة المالية ومن الحكومة في بغداد برفدها بالمزيد من التخصيصات المالية لشؤون مختلفة منها الشأن البلدي وتحديداً قضية النظافة لاسيما في مواسم الزيارات الضخمة مثل هذه الزيارة المليونية، فأين هو دور الحكومة المحلية من هذه القضية؟
يقول نائب رئيس مجلس المحافظة نصيّف جاسم خلال مؤتمر صحفي عُقد في كربلاء" من الأمور التي يجب مراعاتها في الزيارة هي قضية النظافة، وقد أوصينا الأخوة أصحاب المواكب خلال لقائنا بهم على ضرورة التعاون مع الدوائر الخدمية ومنها كوادر التنظيف في عملية جمع الأوساخ والفضلات الناتجة عن إعداد الطعام أو ذبح المواشي وقد وفرنا عدداًَ كافياً من عمال التنظيف والحاويات والسيارات من أجل الحفاظ على جمالية المدينة وأداء الزيارة المباركة بالشكل المطلوب وما يليق وقدسية الإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس (عليهما السلام).
المنبر الحسيني وثقافة النظافة
أشار المواطنون والمشاركون في إحياء زيارة الاربعين على دور المنبر الحسيني وعلماء الدين ورجال الحوزة العلمية في توجيه الناس وأيضاً أصحاب المواكب بالحفاظ على النظافة وتبين العلاقة العضوية بين النظافة والايمان بالله تعالى.
يحدثّنا الشيخ (خالد الأسدي) من مدرسة الإمام الحسين (عليه السلام) في العتبة الحسينية المقدسة عن أهمية المنبر الحسيني في توعية الناس والزائرين بقضية النظافة في عملية إعداد الطعام وإن أي سلبية تظهر في الزيارات المليونية في الأوقات الأخرى هي أمور لا يحبذها الإسلام ومنافية لمبادئ الرسول الكريم (ص) وأهل بيته (عليهم السلام)، ويقول في حديثه لـ (الهدى): لقد أكد الإسلام على رعاية النظافة في كل جوانب الحياة، كنظافة الثياب، ونظافة البيت، ونظافة الطعام والشراب، ونظافة الشوارع والمرافق العامة كالمساجد والحسينيات والمواكب، ونهى عن أي تلويث للبيئة أو تخريب شيء من جمال الطبيعة، وهذا ما تفيض به الأحاديث والروايات الكثيرة.
فيما يطالب الخطيب المنبري السيد (محمد الياسري) من حوزة (أبي الفهد الحلي) في كربلاء المقدسة، أصحاب المواكب الحسينية مراعاة جانب النظافة من حيث قدسية مدينة كربلاء وحرمتها، ومناشدتهم بالتأكيد على هذا الموضوع في حالات ذبح الماشية، كما وطالب الخطباء المنبريون بالالتفات إلى هذا الموضوع المهم وتوعية الناس من أصحاب المواكب الحسينية والزائرين على عدم رمي الطعام واحترام هذه النعمة الفضيلة، كذلك التشديد عليهم في حالات الذبح حيث يلاحظ الكثير من الناس يقدمون على ذبح المواشي باسم الإمام الحسين (عليه السلام)! وحسب التقاليد المتعارف عليها في العراق ويقومون بإطعام الزائرين وإشباعهم إلا أنهم لا يراعون نظافة المكان فترى شوارع كربلاء مليئة بالدماء ومخلفات الذبح وكذلك انسداد مجاري المياه نتيجة لرمي القاذورات والأوساخ فيها ومن ثم فالمسؤولية هنا تقع على عاتق الجميع ويمكن من خلال المنبر الحسيني توجيه هذه الرسالة الإسلامية إلى الناس لتثقيفهم وتوعيتهم.
|
|