قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

أسباب الخروقات الأمنية
صادق كاظم
في كل مرة تتعرض فيها البلاد لازمات وحوادث أمنية خطيرة يتسابق المسؤولون الامنيون والسياسيون إلى إطلاق التصريحات التي تؤكد ان حدوث الاختراقات الأمنية وراء هذه الحوادث من دون أن يتحمل أي احد منهم المسؤولية عن هذا التقصير الأمني الفادح الذي يتسبب بسقوط عشرات الضحايا في كل مرة.. ركون القادة الأمنيين والسياسيين إلى التصريحات المبررة مسبقا واتهام جهات إرهابية معروفة سلفا بالمسؤولية عن هذه الحوادث الإجرامية لا يعفيها من المساءلة عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء هذا التقصير الأمني ونجاح الجماعات الإرهابية المسلحة باختراق عشرات السيطرات ونقاط التفتيش التي تكلف ميزانية الدولة مبالغ مالية كبيرة ,فضلا عن مئات الجنود المنتشرين فيها وإدخال المتفجرات عن طريقها ومن ثم تفجيرها في المناطق المزدحمة. من الواضح ان غياب اية ستراتيجيات أمنية لمكافحة الإرهاب في العراق وتفضيل القادة والمسؤولين الأمنيين اتباع الخطط الأمنية التقليدية التي انتهت صلاحيتها منذ أعوام طويلة في حماية المناطق والمدن يسمح بتكرار هذه الخروقات واستمرارها بين مدة واخرى, فضلا عن عدم المبادرة لاختصار الكثير من الحلقات والمفاصل الأمنية وإعطاء الأسبقية للعمل الاستخباري وإنشاء قوات نخبوية وأمنية متخصصة في مجال مكافحة الإرهاب في مختلف المناطق كما هو موجود في العديد من الدول المجاورة بدلا من آلاف الجنود المنتشرين حاليا في نقاط التفتيش في مختلف المدن العراقية الذين يؤدي بعضهم عملهم بتكاسل وتثاقل, إضافة إلى حرمان هذه الجماعات المسلحة من قواعدها اللوجستية التي تستند عليها في وجودها من خلال حصولها على إتاوات مالية من أصحاب المتاجر والمهن المختلفة لقاء السماح لهم بممارسة أعمالهم التي تؤمن لهذه التنظيمات الإرهابية المسلحة دعما ماليا مريحا يسمح لها بتجنيد الأفراد, فضلا عن شراء الأسلحة والمتفجرات, إضافة إلى اختراق الأجهزة الأمنية نفسها بواسطة هذه الأموال والحصول على معلومات تخص تحركات الأجهزة الأمنية وقادتها المهمين ومن ثم التحرك لاغتيالهم, إضافة إلى انها تستفيد من استرخاء الأجهزة الأمنية وعدم قدرتها على ملاحقتها في التخطيط والإعداد لشن هجمات تستهدف العديد من المنشآت المدنية.
تعدد الجهات الأمنية التي تتولى مهام الحفاظ على الوضع الأمني وعدم إخضاع قادة الأجهزة الأمنية لمعايير الثواب والعقاب في أدائهم لمهامهم ومحاسبتهم على تقصيرهم ووجود مظلات حزبية وسياسية تعفيهم من المساءلة وتسهم في محافظتهم على مواقعهم القيادية يجعل من استمرار الخروقات الأمنية وتكرارها أمرا مألوفا ومتعاقبا مع بقاء الستراتيجيات الأمنية على حالها من دون تغيير, حيث ما تزال الحكومة تتعامل مع ملف الارهاب وفق اوضاع قديمة لم تعد موجودة حاليا بعد انتهاء وجود القاعدة من المناطق التي كانت تسيطر عليها في غربي البلاد ,اذ نجح تحالف كبير بين العشائر في تلك المناطق والحكومة في انهاء وجود القاعدة وتدمير خلاياها المسلحة وقتل واعتقال زعمائها وأفرادها ,حيث قاد النجاح الكبيرهذا بعد ذلك الى نجاحات مماثلة في العاصمة بغداد ,حين أعادت الحكومة بسط سيطرتها على العديد من الاحياء التي كانت توصف بالساخنة ووضع نهاية لمشاهد القتل والتمثيل بالجثث المروعة التي كانت تقوم بها القاعدة هناك والتي خلقت معارضة فاعلة لوجودها وسهلت من امر الاجهزة الامنية في تتبع عناصرها وقتلها واعتقالها.. اليوم الخلايا الإرهابية المسلحة تستفيد من الصراعات السياسية التي تحدث بين الكتل السياسية التي تتسبب في خلق اجواء من الشحن والتباعد والخلاف المزمن والدائم ,اضافة الى بقاء الاساليب والوسائل الامنية على حالها من دون تغيير والدليل ان الكثير من العمليات التي تقوم بها لا تعلم عنها الاجهزة الامنية شيئا ما يدل على عدم وجود جهد استخباري منظم يتمكن من الوصول الى قلب هذه التنظيمات وكشف عملياتها وخططها في الوقت المناسب.أوضاع السجون تسهم ايضا في استمرار الوضع الأمني المتأزم, حيث ظواهر هروب السجناء الخطرين منها المستمر بين مدة واخرى وفق صفقات تعقد بين السجناء وحراس السجون تتم فيها تهيئة الوسائل والظروف التي تساعد على هروبهم بعد تقاضي مبالغ مالية كبيرة منهم نتيجة لذلك, اذ أسهمت هذه الاعمال التي لا تحظى باهتمام حكومي كاف لردعها بهروب عدد من السجناء الخطرين بعضهم كان قد صدر ضده عدة أحكام بالإعدام وعودتهم الى ممارسة العمل الارهابي المسلح من جديد ,فضلا عن بطء الإجراءات القضائية المتبعة في تنفيذ الأحكام الصادرة بحق الإرهابيين المسلحين الخطرين, حيث المراسيم المعطلة بسبب عدم الاتفاق على هوية المسؤول الرئاسي عن توقيع المراسيم الجمهورية بعد امتناع السيد رئيس الجمهورية المخول دستوريا بالتوقيع عليها ما يتسبب في بقاء الإرهابيين في السجون مددا طويلة بانتظار حل هذا الخلاف الدستوري والسياسي وعدم مبادرة أعضاء البرلمان لإيجاد صيغة خاصة بهذا الشأن تنهي هذا الخلاف رغم ان الاحكام التي صدرت عن القضاء كانت قاطعة وتم فيها اتخاذ جميع الإجراءات القضائية التي كفلت للمتهمين حق الاعتراض والطعن مما يخلق أوضاعا غير مناسبة في داخل السجون تهيىء لإمكانية تدبير حوادث لهروب هؤلاء السجناء الخطرين وعودتهم إلى الشارع من جديد,خصوصا مع غياب الرادع الحكومي الفاعل لهذه الاعمال.
هناك العديد من تجارب الدول المهمة في مجال التعامل مع قضايا الارهاب التي اعتمدت فيها على وسائل وآليات تزاوج ما بين الحلين الامني والسياسي, اضافة الى تطعيم اجهزتها الامنية بعناصر وقيادات محترفة مع الحرص على تنويع عناصرها لتضم جميع مكونات شعوبها مع منح القضاء دورا اكثر استقلالية وشفافية والحرص على جعل احكامه قطعية وملزمة مع سعيها لان يكون لديها جهاز استخباري كفوء ومتطور يلاحق شبكات الارهاب ويكشف تحركاتها, إضافة إلى انه يقدم للاجهزة الامنية المعلومات اولا بأول عن تحركاتها كما حصل في الجزائر واسبانيا وسريلانكا. إن اصرار الحكومة على الاحتفاظ بالوسائل التقليدية في مجال العمل الامني الذي يقوم على فتح نقاط التفتيش في الشوارع والأزقة وملئها بالجنود المزودين بأجهزة السونار اليدوية التي تحوم الشكوك حول قدرتها وكفاءتها في كشف المتفجرات ,فضلا عن وجود قضايا فساد حول الجهات التي قامت باستيرادها ,بعد ان اعلن مدير الشركة البريطانية المصنعة لها عن فشلها وعدم قدرتها على القيام بكشف المتفجرات والاسلحة سيعني بانه من دون وجود اجهزة استخبارات محترفة سيكون بامكان الارهابيين تفخيخ السيارات وزرع العبوات الناسفة وربما تطوير عملياتهم للقيام بحادث إرهابي ضخم كحادثة تفجير ضريح الامامين العسكريين (ع) في سامراء قد يعيد الأوضاع الأمنية إلى المربع الاول الذي كانت عليه قبل العام 2008 .وان احتفاظ القادة الامنيين المقصرين بمناصبهم وعدم محاسبتهم سيعني اعادة انتاج حوادث التفجير في أي مكان في البلاد وسيعني وقوع المزيد من الضحايا وسيظل وجود الجنود في الشوارع عديم الجدوى والفائدة ما دام لا يقترن بنجاح ملحوظ في إحباط الهجمات الإرهابية.
اعادة النظر بالخطط الأمنية ووضع سقوف زمنية للتشكيلات الأمنية لإعادة تصحيح الأوضاع بداخلها وتصحيح أوضاع القضاء والمحاكم وإفراز محاكم مدنية متخصصة في مجال موضوع الإرهاب وتقديم الحماية الأمنية الكافية للقضاة والمنتسبين فيها خشية تعرضهم الى اعمال انتقامية مع ايجاد مخرج لازمة توقيع المراسيم الجمهورية للاسراع بتنفيذ احكام الاعدام الصادرة عن القضاء, اضافة الى وضع الارهابيين الخطرين وعزلهم في سجون خاصة تخضع لحماية امنية مشددة مع الزام اداراتها وعناصرها بعدم الاتصال بالارهابيين او التعامل معهم مع اصدار تشريعات قضائية تحاسبهم بشدة في حال اقدامهم على تلك التعاملات سيمثل حلا ولو جزئيا لازمة ما يزال الشعب العراقي يعاني منها منذ اكثر من ثمانية اعوام . ملف الخروقات الامنية سيبقى من اصعب الملفات والذي تتسبب الطريقة الصعبة في عملية بناء مؤسسات الدولة وحالة التقاطعات السياسية ومساحة التدخلات الاقليمية الخارجية بجعله مفتوحا وعامل استنزاف خطير للبلاد واهلها وسيحتاج الى جهود استثنائية والى تقارب سياسي ووطني والى الاعتماد على الكفاءات الوطنية والمهنية.