الامام الحسن المجتبى (ع).. هدية السماء الى فقراء القيم الاخلاقية والانسانية
|
*حسين محمد علي
في الخامس عشر من شهر رمضان المبارك شعّ نور عمّ أرجاء المدينة المنورة والعالم بأسره وما يزال، بأول مولود لأشرف زوجين في العالم، علي بن أبي طالب والصديقة الزهراء (عليهما السلام)، إنه الحسن المجتبى (عليه السلام)، وذلك في السنة الثالثة من الهجرة النبوية الشريفة، وعن الإمام زين العابدين (ع) أنه قال: لما ولدت فاطمة الحسن قالت لعلي: سمه. فقال: ما كنت لأسبق باسمه رسول الله (ص).
فجاء رسول الله (ص) وقال لعلي (ع) : هل سميته؟ فقال: ما كنت لأسبقك باسمه. فقال (ص) : وما كنت لأسبق باسمه ربي عز وجل. فأوحى الله تبارك وتعالى إلى جبرئيل: أنه قد ولد لمحمد ابن، فاهبط، فاقرئه السلام وهنّه وقل له: إن علياً منك بمنزلة هارون من موسى، فسمه باسم ابن هارون. فهبط جبرئيل (ع) فهنأه من الله تعالى ثم قال: إن الله جل جلاله يأمرك أن تسميه باسم ابن هارون. قال (ص) : وما كان اسمه؟ قال: شبر. فقال (ص): إن لساني عربي. قال: سمه الحسن، فسماه الحسن»(12).
عندما يجري الحديث عن أئمتنا الهداة المعصومين يسعى البعض من حسن نية أن يضع اطاراً خاصاً لشخصية هذا الامام أو ذاك (عليهم السلام)، فيقول على المفترض: إن هذا الامام مختصّ بالدعاء والتهجّد والابتهال الى الله تعالى فهو في خط المعنويات والروحانيات، بينما آخر شهر السيف بوجه الظلم والطغيان واختط لنفسه نهج المواجهة العسكرية والاستشهاد، وآخر اختار لنفسه مسيرة العلم وهكذا، وبالنسبة لإمامنا صاحب الذكرى، فان البعض يعدونه الامام الوديع و المسالم والعطوف وغير ذلك من الاوصاف، بعيداً عن المواجهة والتحدي وهي من صفات المرسلين وأولياء الله تعالى الذين جعل فيهم رسالته للبشرية جمعاء، فهل يعقل أن لا تكون هذه الصفات في الامام الحسن المجتبى (عليه السلام)؟!
يكفينا أن نستعيد بالذاكرة أحاديث الرسول الأكرم (ص) المتفق عليها بين المسلمين، في فضل ومنزلة ومكانة الحسن وأخيه الحسين (عليهما السلام)، منها (الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا)، وعن أبي ذر الغفاري (رضوان الله عليه) قال: رأيت رسول الله (ص) يقبل الحسن والحسين (ع) وهو يقول: (من أحب الحسن والحسين وذريتهما مخلصاً، لم تلفح النار وجهه ولو كانت ذنوبه بعدد رمل عالج، إلا أن يكون ذنبه ذنباً يخرجه من الإيمان) (17). وعن النبي (ص) قال: (من أحب الحسن والحسين فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني) (18).
إذن، فان الامام الحسن (عليه السلام) قد عقد له جده المصطفى لواءً يحمله في أوانه وفي ميدانه، كما حمل لواءً آخر أخيه الامام الحسين (عليه السلام) في ميدان آخر. والأئمة المعصومون جميعاً ذوي نهج واحد ومسيرة واحدة و رسالة محمدية لا تبديل لها، إنما التبدّل والتغيّر في الظروف الاجتماعية والسياسية، مما يجعل الامام المعصوم مكلفاً بان يصدح بالرسالة بما يفهمه ابناء ذلك الجيل في تلك الظروف التي يعيشها. لكن مع ذلك عُرف الامام الحسن المجتبى (عليه السلام) بكرمه الزاخر وعلاقاته الودّية مع الجميع حتى مع المعارضين والمخالفين لأهل البيت (عليهم السلام). وهذا ما أعطى الانطباع عند بعض المؤرخين والكتاب بان يصفوا الامام الحسن بالانسان البعيد كل البعد عن أجواء الحرب والمواجهة المسلحة، وبالنتيجة بعيداً عن السياسية ومسألة الحكم، ولا بأس بالنسبة لهم أن يكون شخصٌ مثل معاوية الشخصية الافضل والأنسب ليكون الحاكم والقائد و ولي أمر المسلمين!
رسالة الاخلاق
بعد استشهاد أمير المؤمنين (عليه السلام) وجد الامام المجتبى (عليه السلام) إن المجتمع الاسلامي ينحو الى القسوة والغلظة فقد فرض معاوية ومعه الحزب الأموي حروباً وفتن سوداء على المسلمين، ولم تنته بالاغتيال الآثم الذي تعرض له الامام علي (عليه السلام)، في محراب صلاته، ولم يرعو معاوية عن الافصاح بما يعتلج في كوامنه من عدوانية وطغيان فصاح بالناس في الكوفة بان الهدف من توقيع الهدنة مع الامام الحسن إنما لفرض السيطرة والهيمنة عليهم ليس إلا. إذن، كان لابد من أجواء ترطّب العلاقات الاجتماعية وتعيد للطبيعة الانسانية فطرتها المحبة للخير والاحسان والقيم الاخلاقية، ومما جاء من سيرة هذا العظيم، أن شامياً غَذَّاه معاوية بالحقد على أهل البيت (عليهم السلام)، رأى الإمام (عليه السلام) راكبا، وما أن نراه بدأ يلعنه ويشتم أباه أمير المؤمنين (عليه السلام)، هذا والحسن ( عليه السلام ) لا يردُّ عليه. فلمَّا فرغ الرجل أقبل الإمام ( عليه السلام ) عليه ضاحِكاً وقال: ( أيها الشيخ، أظنُّك غريباً، ولعلَّك شُبِّهْتَ ؟ فلو استَعْتَبْتَنا أعتبناك، ولو سَألتَنا أعطيناك، ولو استرشَدْتَنا أرشدناك، ولو استَحْملتَنَا أحملناك، وإنْ كنتَ جائعاً أشبعناك، وإن كنتَ عرياناً كَسَوناك، وإن كنتَ مُحتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كانَ لك حاجة قضيناها لك، فلو حَرَّكتَ رحلك إلينا، وكنتَ ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعْوَد عليك، لأنَّ لنا مَوضِعاً رحباً، وجَاهاً عريضاً، ومَالاً كثيراً).
فلما سمع الرجل كلامه بكى، ثم قال : أشهد أنَّك خليفة الله في أرضه، الله أعلمُ حيث يجعل رسالته، كنتَ أنتَ وأبوك أبغضُ خَلقِ الله إليَّ، والآن أنتَ وأبوكَ أحَبُّ خلقِ الله إليَّ.
ثم استضافه الإمام (عليه السلام) حتى وقت رحيله، وقد تغيَّرت نظرته وعقيدته ومفاهيمه عن أهل البيت (عليهم السلام).
بهذا الدرس التربوي البليغ كان الامام المجتبى يمارس دوره الرسالي العظيم متمثلاً الآية الكريمة ولو أنه وسائر الأئمة القرآن الناطق، حيث يقول تعالى: "ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ" (سورة فُصِّلت /34).
لقد واجه الامام الحسن (ع) منذ توليه الامامة والولاية بعد أبيه أمير المؤمنين (ع) ظروفاً غاية في الصعوبة والحساسية، فقد بلغ بالمسلمين أن يهاجموه ويطعنوه في فخذه في المدائن فيما كان متوجهاً لحرب معاوية، و واجه التخاذل والانهزامية في صفوف قادة جيشه وجنوده والأنكى من كل ذلك اللوم والتقريع الشديدين بعد قبوله الهدنة حتى سُمي (ع) ظلماً وجهلاً بـ (مذل المؤمنين) بعد أن كان بين أصحابه وشيعته (أمير المؤمنين)، وهذا ما يؤكد لنا جلياً أن الامام الحسن المجتبى عاش مظلوماً ومات مظلوماً بل ودفن مظلوماً أيضاً.
نبذة من درر كلماته (ع)
قال (ع): (القريب من قرّبته المودة وإن بعد نسبه، والبعيد من بعّدته المودة وإن قرب نسبه، لا شيء أقرب إلى شيء من يد إلى جسد، وإن اليد تغل فتقطع، وتقطع فتحسم.
وقال (ع): (إن التقية يصلح الله بها أمة، لصاحبها مثل ثواب أعمالهم، فإن تركها أهلك أمة، تاركها شريك من أهلكهم، وإن معرفة حقوق الإخوان يحبب إلى الرحمن، ويعظم الزلفى لدى الملك الديان، وإن ترك قضائها يمقت إلى الرحمن ويصغر الرتبة عند الكريم المنان).
وقال (ع) : (إذا طلبتم الحوائج فاطلبوها من أهلها» قيل: يا بن رسول الله (ص) ومن أهلها؟ قال: الذين قص الله في كتابه وذكرهم فقال: "إنما يتذكر أولوا الألباب" قال: هم أولو العقول).
يقول (ع) : (في المائدة اثنتا عشرة خصلة يجب على كل مسلم أن يعرفها، أربع منها فرض، وأربع سنة، وأربع تأديب، فأما الفرض: فالمعرفة والرضا والتسمية والشكر، وأما السنة: فالوضوء قبل الطعام والجلوس على الجانب الأيسر والأكل بثلاث أصابع ولعق الأصابع، وأما التأديب فالأكل مما يليك وتصغير اللقمة وتجويد المضغ وقلة النظر في وجوه الناس).
وقال (ع): (من كفل لنا يتيماً قطعته عنا محنتنا – محبتنا- باستتارنا، فواساه من علومنا التي سقطت إليه حتى أرشده وهداه، قال الله عزوجل: يا أيها العبد الكريم المواسي، أنا أولى بالكرم منك، اجعلوا له ملائكتي في الجنان بعدد كل حرف علمه ألف ألف قصر وضموا إليها ما يليق بها من سائر النعم).
|
|