جذور السرد الروائي العربي
|
جاسم عاصي
استند السرد الروائي العربي على جذور غائرة في الواقع شكل فيه الروي والحكي صيرورة اجتماعية أي توفير المتون الشفاهية له وهي بمنزلة مرتكزات اساسية تحولت عبر الذاكرة الجمعية باتجاه الذاكرة الفردية – راوي الحكاية – المؤلف – وهي خاصية لها تشكل تربوي – غريزي – إن جازت التسمية بمعنى أن شكل الروي بالتتابع والتراكم مبني في ذهن العقل وقد رسخته فيما بعد أحاديث الجدات والاجداد وممن كان لهم ولع في الروي والحكي خاصة الكتاتيب والملالي وحكايات مجالس السمر في الخباء والمضافات والمقاهي و البيوتات.
إن تسرب مثل هذه – الدربة – الحكي أمر طبيعي، بعد أن أسست تشكلها وصيرورتها وهيمنتها على العقل الفردي والجمعي بوصفها مرجعيات تربوية للفرد آنذاك وسبيلاً لتعلم الحكمة والدرس لما كانت تنطوي عليه تلك الحكايات والمرويات من اسرار واحداث كان لها دور حياتي عارض لكل خصائص المتن التاريخي لأنها في الاساس تروي تجارب فردية وجمعية ومسار الحكي فيها يرمي الى الاحالة كشخص قائل أو لفعل منح مجرى خاصاً واعطى نتائج كبيرة فهي إذاً حكايات ومرويات واقعية ومتخيلة في آن واحد.
فواقعيتها تواكب طبقات التاريخ والسير ومتخيلها يصب في ذات الأمر بجنوح خارج نمط الواقع ببراءة القصد للإشارة والتعظيم ومنح الفرادة للفرد والحقبة.
من هذا نخلص الى أن هذا المتكأ كانت له تأثيرات في استنهاض الموهبة للسردية والحكائية تتم على وفق ذلك نقل الحكايات أو إدخالها كتناصات ضمن النص أو اتخاذ ناصية الخاصية الفنية في السرد والروي وتشكل الحكاية أي تبلور مبنى جديد للرواية وهو مبنى يتصل بالموروث سواء أكان الشفاهي منه أم المدون.
وهنا لا بد من التأكيد على أن هذا الاستقراء لا يعني اساساً الروايات المعاصرة التي وظفت الموروث لأن ذلك مؤشر مباشر على الرغم من خصائصه النابغة من خصائص المنتج. لكن ما نعنيه أن الخطاب الروائي بعامة هنا ينطوي على مثل هذا الاستدراج والاستدعاء لمكونات النصر المرحّل عبر الذاكرة الجمية أو المدونة.
إن مبنى الحكاية أو المروية كان يعتمد على: راوٍ مروي لهم، فالراوي هنا مركزي مهيمن وهو لم يكن انساناً عادياً بل عرف من قبل من بين قومه كونه صاحب منصة كلام يدلي بما في حافظته في ليالي السمر والمناسبات أمام المواقد أو بدائلها وفيه من الخصائص المسيطرة التي تحيل الى مناخ ساكن وإصغاء شامل متحقق جرّاء ذلك ا لفائدة و العبرة وهو ما يفوق منصة – شهرزاد - في الحكي على الرغم من اعتماد متونها الحكائية. من هذا انتقل الراوي الى داخل النص الروائي المعاصر مما شكل مهيمنة جديدة – في المدونة – يستخدم السرد وطرائفه والوصف وجمالياته كآليات للسيطرة والانعكاس أما المروي فهي حكايات متناقلة شفاهياً أو مستلة من بطن الكتب والسيِّر كسير القادة والابطال والفرسان كما وإن ثمة فسحة للحكاية الخرافية التي تتخللها المغامرات والاقتحام وهي ايضاً تشكلت من مجموعة مصادر تحوّرت وتجمعت عبر العقل الجمعي باتجاه راوٍ مركزي.
يبقى المروي لهم وهم المتلقون لهذا النص حيث يتمركز الاصغاء – التلقي – ليشكل كتلة مجتمعة داخل حيز المكان الذي تطلب تركيزاً وهدوءاً، خلقتها التربية الاجتماعية أو القبلية آنذاك وهؤلاء المتلقون يختزنون الحكايات ثم يبثونها أي يصبحون مرسلين أو باثين جدداً للحكاية على مر الزمن ومن هذه المرويات هي:
- قصص ألف ليلة وليلة.
- قصص كليلة ودمنة.
- قصص الزير سالم.
- قصص عنترة بن شداد.
- قصص البطولات والفروسية والتي تتحدث عن مكانة القبيلة.
وهي مرويات عامة اشتغل عليه الراوي المركزي بالنقل والتصرف وتغيير هذا المسار أو ذاك وهو توجه تطلبته طبيعة المجالس بهدف عدم التكرار ومن ثم جرت عليه توظيفات لهذا المتن الحكائي أو ذاك لاستخلاص العبرة والحكمة وفي مجال المتن شكّل الراوي هنا مؤلفاً باضافته من حيثياته تجاوباً مع واقع الحال.
وهذا التداخل أثمر بشكل أو بآخر في تداخل النصوص مع بعضها وظهور مولدات النص داخل النص الأصل تضاف هذه الخصيصة الى ما أسسه مبنى الحكايات في ألف ليلة وليلة وتداخلها وطبيعة العلائق السردية فيها.
أما الحكايات ذات الطابع المحلي فقد كان تأثيرها موازياً لتأثير باقي المتون ومنها:
- عنترة العبسي.
- قصص البطولة والفروسية والبداوة.
- المطاردات والمطارحات الشعرية.
ومن أهم وظائف هذه الحكايات يتجسد في:
1- كونها تخص علاقة الانسان بالارض وكيفية الدفاع عنها واستثمارها.
2- تمركزت الحكايات على اعطاء قيمة لانتاج الأرض أي اصبحت لها و ظيفة تعليمية – تربوية اجتماعية سياسية – اقتصادية ذلك تجسد في الكثير من القصص القصيرة والروايات اللاحقة التي تناولت القضية الفلسطينية من منطلق بيئة الريف وعكس علاقات الانتاج المادية والبشرية والعلاقات الاجتماعية.
|
|