منظمات شبابية لصناعة التغيير
|
أحمد عبد الرحيم الحي
يمثل الشباب نسبة 60% من شعوب منطقة الشرق الأوسط. هذه النسبة الكبيرة من الشباب تمثل مخزون طاقة استراتيجي كبير جدا بمقاييس عالم اليوم التي تضع الموارد البشرية في قائمة الأولويات. وفي المقابل نجد أن المؤسسات والمنظمات والهيئات غير الحكومية في هذه الدول قليلة جدا ولا ترقى لمستوى تطلعات واحتياجات هذه الشعوب، بينما نجد عشرات الآلاف من هذه المؤسسات في كل دولة من الدول المتقدمة، ففي الولايات المتحدة وحدها يوجد حوالي مليوني مؤسسة ومنظمة غير حكومية تأسس 70% منها في غضون الثلاثين عاما الأخيرة! فهل يا ترى يوجد في كل دول الشرق الأوسط مجتمعة نصف هذا العدد من المنظمات التي توجد في دولة متقدمة واحدة فقط؟.إن ربط نسبة الشباب بقضية تأسيس المنظمات غير الحكومية يأتي لأن الكثير من هذه المنظمات تقوم غالبا على سواعد الشباب، كما يهتم الكثير منها بقضايا الشباب، فضلاً عن أن أي مؤسسة تخدم المجتمع -في دولنا بالتحديد- هي تخدم الشباب بالدرجة الأولى وذلك لأنهم يمثلون أكثر من نصف المجتمعات كما أسلفنا.
نحن نرى النقص والخلل يسري في كل مفاصل حياتنا العامة والخاصة، فإذا كنا نريد تغيير حياتنا للأفضل وإذا كنا نريد الحصول على موضع متقدم ونُحترَم في هذا العالم، فعلينا أن نعمل على تأسيس المنظمات الشبابية وبث هذه الروح في أوساط المجتمع ولا نكتفي بالآمال أو الإعتماد على الآخرين. ولماذا لا يعمل شبابنا بشكل جدي ومتواصل على تأسيس المنظمات والمؤسسات(الخيرية والربحية) غير الحكومية؟ أليست بلادنا ومجتمعاتنا تعج وتضج من الثغرات في كل جانب من جوانب الحياة، وتحتاج لمن يعمل على ملء هذه الثغرات؟ إذا كانت المؤسسات الرسمية مقصرة أو عاجزة في مواضع معينة، فهل نوقف عجلة الحياة؟ وهل تتوقف عقارب الزمن؟ هل نكتفي بالتذمر والشكوى دون أن نتحرك و نحدث تغييرات إيجابية في واقعنا؟. قد يتعذر البعض بأن بعض الأجواء والسلوكيات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية غير ملائمة وغير مشجعة لتأسيس هذه المنظمات، ولكن هذا الكلام غير دقيق فهناك الكثير من المؤسسات العاملة على أعلى المستويات في نفس هذه الظروف أو أصعب، كما سيتبين لاحقا.
قد يتصور أحدنا أن العمل في هذا المضمار يعود بالنفع على الآخرين فقط، لكن في الواقع أن الدراسات أثبتت أن العمل التطوعي يعود بالنفع على العاملين فيه قبل غيرهم. فكل شاب لديه طاقة هائلة لابد له من تفريغها بأي شكل من الأشكال لكي يحفظ توازنه النفسي والبدني، فإن لم يفرغها في ما هو مفيد، فستتفرغ في غير ذلك شاء أم أبى. إن اشتراك الشباب في هذه المنظمات والهيئات يحميهم ويحمي أسرهم ومجتمعهم من مشاكل و ويلات هم في غنى عنها في نفس الوقت الذي يؤدي فيه إلى استغلال طاقاتهم، وتطوير مهاراتهم وعلاقاتهم، وتوسيع مداركهم واهتماماتهم، وتنشيط فكرهم، وبهذا تكون النتيجة متعددة الإيجابيات. ومن آخر الدراسات في هذا المجال الدراسة التي طالعنا بها الدكتور صالح الأنصاري بعنوان (مشاركة الطلاب في الأعمال التطوعية تحسن معدلاتهم) والتي أجريت "على مجموعة عشوائية من طلاب وطالبات الطب والعلوم الصحية في عدد من الجامعات، وأكدت أن غالبية المشاركين في الدراسة(76%) أن المشاركة في العمل التطوعي والأنشطة غير الصفية لها تأثير إيجابي أو على الأقل لم تؤثر أصلا على معدلاتهم.. وعززت نتائج هذه الدراسة عدة دراسات أقيمت في دول عدة وصلت إلى نتائج مقاربة.
لو نظرنا لواقعنا بعين الفاحص لرأينا أن ما يمكن تأسيسه من منظمات ومؤسسات لا يمكن إحصاؤه كثرة، وذلك لأن الكثير منها غير موجودة في بلادنا أصلا، كما أن الموجود منها غير كاف لسد الحاجة وإرواء الظمأ سواء من الناحية النوعية أوالكمية. نحن في أمس الحاجة إلى منظمات تهتم بقضايانا الاقتصادية كعلاج البطالة، وإعداد الكفاءات وتنمية المهارات المطلوبة في العمل، ورعاية شؤون المتقاعدين وأصحاب إصابات العمل. كما نحتاج إلى منظمات علمية تقوم برفع المستوى العلمي للشباب، وتنظيم التجارب والأبحاث، وتصميم الاختراعات. وأيضا منظمات تهتم بالقضايا الاجتماعية كالعنف، والعنوسة، والطلاق وغيرها.
لماذا نجد الذي يعاني من مشكلة نفسية أو إعاقة بدنية –ولو كانت مؤقتة ويمكن علاجها- يترك في بلادنا وحيدا في معركته للتغلب على مشاكله أو يحبس بين أربعة جدران حتى يأتيه الأجل ويحرم من مواصلة حياته وتحرم الامة من عطائه وقدراته، بينما نجد شخصا لديه نفس المشاكل ولكنه يستمر في حياته وربما باندفاع أكبر من السابق ويتبوأ أعلى المناصب وينتج أجود الإنتاجات في غيرها من البلاد؟، ما الفرق بين هذا وذاك؟ إنه وجود المنظمات والمراكز التي تهتم بعلاج هؤلاء الأشخاص وتقديم الدعم النفسي والتشجيع لهم، ففي تلك البلاد يربى الشاب بل وحتى الطفل على التأثير في القضايا المتعلقة بحقوقه. كما تفتقر بلادنا إلى منظمات صحية تثقف الناس حول أهم الأمور الصحية ككيفية تجنب الأوبئة والأمراض الفتاكة وتمييز أعراضها المبكرة، وتوفر برامج عملية نحو مجتمع صحي كالجلسات الجماعية للتوقف عن التدخين والعادات الضارة، وتساعد في توفير العلاج والدعم النفسي لأصحاب الإعاقات وأصحاب الأمراض المستعصية كمرضى السرطان المتوزعون بكثرة في بلادنا والذين سلبت بهجتهم وحرموا من التمتع بحياة طبيعية فهم في أمس الحاجة لمن يقدم لهم يدا العون ويضمد جراحاتهم. وكثيرة هي المنظمات التي يجب على شبابنا الاهتمام بتأسيسها من منظمات تهتم بشؤون الطفل والمرأة، ومنظمات رياضية، وثقافية، وتعليمية، وسياسية، ومنظمات تخاطب العالم وتتواصل معه في مختلف الشؤون، ومنظمات تسعى لإحلال السلام والطمأنينة والتوسط لإنهاء النزاعات وتقديم العون للضحايا. هذه المؤسسات يجب أن تعمل على أوسع المستويات وليس على المستوى المحلي فقط، وإنما على المستوى الاقليمي والعالمي عبر منظمات الأمم المتحدة وغيرها. وهذا ليس أمرا صعبا ولا طموحا خياليا، فما عليك إلا أن تزور الموقع الإلكتروني –المتوفر باللغة العربية- للأمم المتحدة أو منظمة اليونيسف لتعرف سهولة هذا الأمر عبر الإرشادات المتوفرة حول طريقة تأسيس المنظمات والتنظيم لها وتسجيلها لدى هاتين المنظمتين الدوليتين اللتين توفران الدعم الفني والمادي للكثير من المنظمات في العالم العربي. وليس هذا الكلام حبرا على ورق أو أمنيات شاب متحمس، بل تشهد عليه تجارب واقعية ومؤسسات قائمة ومنظمات حية لأناس يعيشون على نفس التراب الذي نعيش عليه وفي نفس الزمان الذي نعيش فيه و يمرون بذات الظروف التي نمر بها.
وقبل أن تنتهي من قراءة هذه السطور، اخطو خطوة أولى لتأسيس ما تقدر عليه من منظمات ترجو منها فائدة –ولو شخصية- سيرا على خطى الناجحين الذين أسسوا منظمات رائدة ونقلوها من ساحات الخيال إلى أرض الواقع، بدلا من رمي كل مشاكلنا وتقصيرنا وتخلفنا على الآخرين، وبدل توقيف مسيرتنا بالكامل تعويلا على المؤسسات الرسمية أو الآخرين لكي يعملوا والاختفاء خلف شماعات الكسل والفشل هذه. لا تستهن بما تستطيع أن تعمله مهما كانت قدراتك متواضعة، فها هو أمير المؤمنين علي (ع) يناشدك: أتحسب أنك جرم صغير، وفيك انطوى العالم الأكبر؟.
|
|