الطف في الشعر البحريني
|
*محمد كاظم الكريطي
(دلمون) هي الموطن الطاهر، الارض (دلمون)، هي المحل النظيف، الارض (دلمون) هي الارض المشرقة... إنه ذلك المحل نظيف، إنه مشرق... في (دلمون) لا ينعب الغراب الاسود، والحدأة لا تصرخ صراخ الحداة، والاسد لا يفتك، والذئب لا يفترس الحمل، والكلب قاتل الجداء غير معروف هناك، وذكر الخنزير الذي يفترس الغلّة غير معروف هناك، والطير في الاعالي، لا يفسد فراخه، والارمد لا يقول انني أرمد، ومن به صداع لا يشكو من الصداع، وامرأة (دلمون) العجوز لا تشكو من الشيخوخة، و رجل (دلمون) الشيخ لايتبرم من كبر السن، والمنشد لا ينتحب...وفي أطراف المدينة.. لا ينطق بالرثاء).
هذا الوصف لـ (دلمون) أو البحرين اقتطعناه من نص سومري قديم يعطي وصفا دقيقا عن هذه الارض الطيبة وجمال مرابعها و روعة اجوائها كما يعطي دلالة على توغلها في القدم وشخوصها في عمق التاريخ، فهي من أقدم بلاد الله في العلم والادب والشعر وقد امتازت بما لأهلها من سلامة الفطرة وصفاء السريرة وعمق العقيدة بأن تكون احدى معاقل التشيع والولاء الخالص لاهل البيت الطاهرين عليهم السلام. وكما تميزت اجواؤها بالنقاوة فقد تميز شعرها بالروعة والرقة فاستطاع شعراؤها نقش اسمائهم بالذهب في صرح الشعر العربي ودونوا اسماءهم في سفر الخلود.
والحديث عن الشعر البحريني حديث طويل متعدد الجوانب يكاد ينافس الشعر العراقي في مجال مدائح ومراثي اهل البيت عليهم السلام وخاصة في رثاء الامام الحسين عليه السلام، ولكن للاسف فهو مركون في زوايا النسيان رغم انه يستحق كل العناية والاهتمام ويحتاج الى من يجمعه وينقحه ويبوبه كما فعل الاستاذ علي الخاقاني عندما جمع وبوّب الشعر العراقي وقسمّه في مؤلفاته القيمة (شعراء بغداد وشعراء الغري وشعراء الحلة).
وبما ان الشعر البحريني كثير بمحتواه غزير بمعناه وتاريخه، حافل بالشعراء الكبار الكثرين بحيث انه يعد موسوعة كبيرة، فقد آثرنا أخذ عينه من هذا الشعر لشعراء من مدن متفرقة من بلاد البحرين والاقتصار في تسليط الضوء على بعض ادباء هذه البلاد التي تعد بحق مفخرة من مفاخر الشعر والأدب العربي، وقد تعطر شعرها بالولاء الصادق والعقيدة الخالصة لآل بيت رسول الله صلوات الله عليهم، فجاء مفعما بالروح العاشقة لهم عليهم السلام الذائبة في حبهم يقول ابو الوفاء معين الدين يحيى الحصكفي (ت 553هـ):
وسائل عن حب ال البيت هل
أُ قرُّ اعلاناً به أم أجحدُ؟
هيهات ممزوجٌ بلحمي ودمي
حبهم وهو الهدى والرشدُ
حيدرة والحسنان بعده
ثم علي وابنه محمدُ
وجعفر الصادق وابن جعفر
موسى ويتلوه علي السيدُ
اعني الرضا ثم ابنه محمد
ثم علي وابنه المسددُّ
والحسن التالي ويتلو تلوه
محمد بن الحسن المفتقدُ
فانهم أئمتي وسادتي
وان لحاني معشرٌ أو ففّدوا
وكان لشهيد الطف النصيب الاوفى من شعرهم لما جسده الامام الحسين عليه السلام من وقفة خالدة في الدفاع عن مبادئ الدين الحنيف يقول الحصكفي في نفس القصيدة:
ومصرع الطف فلا أذكره
ففي الحشا منه لهيب يوقدُ
يرى الفرات ابن الرسول ظامياً
يلقى الردى وابن الدعي يردُ
وهذا شاعر آخر يملأ شعره بتلك الزفرات واللوعات والأسى على تلك الفاجعة وهو الشاعر علي بن المقرب الاحسائي (ت629هـ) فيقول:
وإن حزني لقتيل كربلا
ليس على طول البلى بمقلع
اذا ذكرت يومه تحدّرت
مدامعي لاربعٍ في أربع
فكل دمع ضائع منك على
غير غريب المصطفى المضيّع
اما ابن المتوّج البحراني (ت820هـ) فانه يبدأ في احدى مراثيه الطويلة كل بيت بلفظة (ألا نوحوا) للدلالة على هول الفجيعة وعمق الاسى فيقول:
ألا نوحوا وضجّوا بالبكاء
على السبط الشهيد بكربلاء
ألا نوحوا بسكب الدمع حزناً
عليه و امزجوه بالدماء
ألا نوحوا على من قد بكاه
رسول الله خير الانبياء
ومثلها جاءت احدى مراثي الشاعر مفلح الصيمري (ت 933هـ) بلفظة (أيا جدنا) فيقول:
أيا جدنا نشكو اليك أمية
فقد بالغوا في ظلمنا وتبدعوا
أيا جدنا لو ان رأيت مصابنا
لكنت ترى أمراً له الصخر يصدعُ
أيا جدنا هذا الحسين معفراً
على الترب محزوز الوريد مقطّعُ
فالصبر لا يجمل على هذه المصيبة كما يقول الشاعر السيد حسين الغريفي (ت 1001هـ):
أيجمل الصبر في آل الرسول وهم
جمع قضوا بين مسموم ومنحور
قوم بهم قد اقيم الدين وانطمست
للشرك ألوية الطغيان والجور
قوم بمدحهم كتب السما نزلت
أكرم بمدح بكتب الله مذكور
ولا يقف ابن ابي شافين البحراني (ت 1003هـ) على الطلول ويبكي بل يقف عند مصارع الطفوف فيقول :
قف بالطفوف بتذكارٍ وتزفارِ
وذب من الحزن ذوب التبر في النار
وعزِّ نفسك عن أثواب سلوتها
على القتيل الذبيح المفرّد العاري
لهفي وقد مات عطشانا بغصته
يُسقى النجيع ببتار وخطار
اما الشاعر عبد المنعم الجدحفصي البحراني (ت 1005هـ) فأنه يتوجه بالخطاب الى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يذكر مقتل الحسين فيقول:
عرّج على يثرب وأقر السلام على
محمد خير خلق الله كلهم
وقل له هل علمت اليوم ما فعلت
أمية بالحسين الطاهر الشيم
و لاصحاب الحسين عليه السلام المخلصين بحور في محاور الرثاء الحسيني يقول السيد عبد الرؤوف الجدحفصي البحراني (ت1006هـ):
بنفسي الحسين الطهر يسعى اليهم
بأهليه لا يثني عزيمة راجع
وتصحبه من صحبة الغرّ سادةٌ
لهم في قران الفوز أسعد طالع
لعمري لقد فازوا وحازوا مراتباً
تقهقر عن إدراكها كل طامع
اما الشيخ جعفر الخُطّي (ت 1208هـ) فقد كان مكثرا في مراثيه الطويلة بتجسيد الواقعة بكل احداثها حريصا على سرد وقائعها وتفاصيلها. يقول في احداها:
وان قتيلا احرز الشمر شلوه
لاكرم مفقودٍ يبكّيه فاقدُ
لقى بمحاني الطف شلواً و رأسه
ينوء به لدن من الخط واردُ
تضيء به أكناف عرصة كربلاء
وتظلّمُ منه أربعٌ ومشاهدُ
ويندد السيد ماجد بن هاشم البحراني (ت1028هـ) بهذه الجريمة النكراء فيخاطب بني امية:
بني امية قد ضلت حلومكم
ضلال منغمسٍ في الغيّ مغمور
بني امية لا نامت عيونكم
فثم طالب وتر غير موتور
ويقول الشاعر احمد البلادي (ت 1130هـ) مخاطباً كوكبة الشهداء مع الحسين :
أنست بها ارض الطفوف و اقفرت
منها الديار وليس غير يسيرها
غربت بعرصة كربلا فانهض لها
واقر السلام على جناب مزورها
وانثر بتربتها الدموع تفجعا
لقتيلها فوق الثرى وغفيرها
وتطول حسرة شعراء البحرين وهم يذكرون الماء الذي منع منه سيد الشهداء يقول سليمان الماحوزي (ت1121هـ):
وان نسيت فلا انسى الحسين بها
فرداً تعرّى عن الاسباب والوصل
قد حلئوه زلال الماء ما رقبوا
فيه البتول وقربى سيد الرسلِ
وتطول قائمة الاسماء من الشعراء البحرينيين من الذين سطروا في شعرهم هذه الواقعة وصوروا تفاصيلها. وللامانة الادبية نستعرض اسماء ابرزهم وهم: محمد بن يوسف البلادي (ت1130هـ). الشيخ فرج الخُطي (ت1135هـ)، الشيخ محسن فرج (ت1152هـ)، لطف الله بن محمد البحراني (ت1170هـ)، الشيخ حسن الدمستاني (ت1181هـ)، محمد بن عبد الله بن فرج الخطي (ت1185هـ)، حسين آل عمران القطيفي (ت1186هـ)، الشيخ احمد الدمستاني (ت1190هـ)، يوسف ابو ذيب (ت1200هـ)، عبد الله بن حسين الخطي (ت1201هـ)، محمد الدرازي آل عصفور (ت1172هـ)، لطف الله بن علي الجدحفصي (ت1209هـ) وغيرهم.
|
|