مقام السيد محمد في كربلاء في غياهب الأزمة والإهمال
|
*إعداد / حسين هاشم آل طعمة
الصرخات المدوية والدماء الزكية التي سالت على أرض كربلاء يوم عاشوراء جعلت هذه الأرض مهوى الافئدة ومسكن النفوس، فلم تلبث قوافل الزائرين منذ الايام الأولى لتشييد أول قبر لسيد الشهداء وأبي الفضل العباس وبقية الأصحاب، وهي تتوافد على هذه البقعة الطاهرة والروضة البهية. ويكفينا تأكيد الأئمة الأطهار (ع) على هذه الزيارة ويأتي الإمام الصادق (ع) في المقدمة الذي كان أول من نصب مقاماً في كربلاء المقدسة لمداومة زيارة جده الحسين (ع)، وما يزال المقام قائماً حتى اليوم.
إن مقام الإمام الصادق (ع) الكائن شمال المدينة وعلى مقربة من مقام الإمام الحجة المنتظر على نهر (الحسينية) له من الشهرة ما يغنيه عن التعريف، لكن هناك مقام مغمور ومجهول بين تعرجات الأزقة القديمة في هذه المدينة العتيدة، ولا يعرف حتى سبب هذه المجهولية أو لنقل الإهمال، فالمقام لا يعود لشخص مجهول فهو للسيد محمد ابن الإمام علي الهادي (سبع الدجيل).
ربما كثير من القرّاء بل وسكنة كربلاء المقدسة يجهلون وجود هكذا مقام بين ظهرانيهم، وقبل أن نخوض في الأسباب لنأخذ جولة حول هذا المقام أولاً:
بإمكان الزائر وهو في شارع العلقمي وهو خارج من عند مرقد أبي الفضل العباس أن ينعطف يميناً في زقاق يؤدي به الى (جامع باب الخان) وهو معروف في المنطقة، وهناك حيث يكون أمام مسار متعرج من الأزقة، حينها سيكون أمام شبّاك دار تم تمييزه بالوشاح الأخضر وهي دلالة وعلامة فارقة لدينا ترمز الى (السيادة) والانتساب الى الرسول الأكرم (ص)، وقد نصبت على الشبّاك لوحة كتب عليها (سيد محمد ابن الإمام الهادي – سبع الدجيل).
إنه عبارة عن شبّاك حديد مطلي باللون الأخضر لتكريس الدلالة للمارة، وهو على شكل مربع طول أضلاعه حوالي 90 سم، وخلفه بقعة فارغة غير داخل في البناء المحيط به.
ما قصة هذا المكان؟ وهل هو مجرد إدعاء لأغراض معينة؟ أم إنه حقّ مضيّع لأهل البيت (ع) وتجاهل للتراث الديني والوعي الاجتماعي؟
*دعوة لانقاذ المقام من النسيان
ما إن اقتربنا من المكان ومعنا آلة التصوير لإلتقاط بعض الصور للمكان وإذا بأعداد لا بأس بها من الرجال والنساء ينفرون من بيوتهم نحونا، كما لو أنهم كانوا ينتظرون منقذاّ! فمنهم من شكا غياب الخدمات للمنطقة رغم وجود هذا المكان الذي يعدونه مقدساً، ومنهم من شكا اهمال المسؤولين لهذا المكان (المقام)، وربما تصوروا إن ثمة أيدٍ كريمة ستمتد نحو هذا (المقام) وتزيل عنه غبار النسيان والإهمال وتبعاً سيلحقهم شيءٌ من الاهتمام، فيحظون بما يحظى به سائر المستوطنين الى جوار الإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس (ع).
هذا (المقام) يقع من الناحية الرسمية والتخطيط العمراني والبلدي ضمن دار سكنية يتم تداولها بين شخص وآخر، وقد قام المالك الأخير لهذه الدار بنصب اللافتة ووضع الأوشحة الخضراء للدلالة على المكان، وممن خرج إلينا أحد الساكنين في الزقاق وهو عبد الكريم الكركوشي، حيث قال أنه من مواليد عام 1959، ومنذ صغره كان يرى هذا المقام في هذا المكان، وأضاف إن والدته وهي من مواليد عام 1922 كانت تواظب على زيارة هذا المقام مع سائر النسوة في الزقاق، وأضاف الرجل بكل ثقة واعتداد بأن والدته الطاعنة في السن تشهد بأنها أمضت سنوات حياتها الى جانب هذا المقام، بل يقول: ذات مرة سألت والدتي عن الخلفية التأريخية لهذا المقام، فقالت: لقد ولدت في هذه المحلة وكان هذا المقام موجوداً والناس يزورونه ويطلبون من الله حوائجهم بحق صاحبه. وممن خرج للإدلاء بشهادته عن هذا المقام سيدة كبيرة في السن تسمى (أم منتظر) وهي أبنة المرحوم الحاج محمد جواد العطار ودارها مقابل المقام، حيث قالت: إن أجدادي من سكنة هذه المحلة منذ سنين بعيدة، وتنقل السيدة أم منتظر عن آبائها إن المنطقة في السابق كانت عبارة عن بساتين مزروعة يمر من خلالها نهر العلقمي، ويؤكدون إن السيد محمد (ع) كان يغتسل أو يتوظأ من هذا النهر ويصلي في هذا المكان.
وقد عزز أهالي المنطقة من الكبار في السن أحاديثهم بمنامات عديدة ومتواترة منذ زمن بعيد حول كرامة هذا المقام وإنه حقاً يعود للسيد محمد ابن الإمام الهادي (ع).
ليس هذا وحسب بل إن سكان المنطقة – كما يروون – لا يبرحون عن بعث الحياة والحيوية في هذا المقام، فهم يحيون المناسبات الدينية لا سيما في شهري محرم وصفر أيضاً في أيام وفيات الأئمة الأطهار (ع)، ولابد من الإشارة هنا الى دور المرأة المؤمنة في هذا المجال حيث تبادر النسوة الى إقامة مجالس الغزاء ويوقدن الشموع ويظهرن العزاء والجزع على مصاب أهل البيت عند مقام أحد أبنائهم الكرام.
* التوثيق التاريخي للمقام:
رغم أنه لا وجود لمصدر تأريخي يثبت ويؤكد حضور السيد محمد ابن الإمام علي الهادي (ع) في هذا المكان، إلا أن بعض الدلائل تشير الى صحة هذا المقام منها، مرور الإمام الهادي (ع) بصحبة ابنه السيد محمد بكربلاء في طريقهم الى سامراء بعد استدعائهم من قبل المتوكل العباسي، إذ ربما يكون ابن الإمام قد غاب عن والده في زيارة مرقد سيد الشهداء، نظراً للحظر الذي كان مفروضاً على والده من قبل السلطات العباسية آنذاك.
والاحتمال الثاني: هو أن يكون السيد محمد قد استفاد من الفسحة التي حصل عليها شيعة أهل البيت (ع) بعد هلاك المتوكل ومجيء المستنصر بالله الذي ألغى الكثير من الإجراءات التعسفية والقمعية عن أتباع أهل البيت وهو ما أعطى الفرصة للسيد محمد بأن يزور جده الحسين (ع) ويقيم في هذا المكان الذي يتحدث عنه الناس.
وفي كل الأحوال فإن المعنيين والمسؤولين عن التراث الديني تحت مسمّيات وعناوين مختلفة هم أعرف وأولى من غيرهم بالبحث والتنقيب عن هكذا مزارات ومقامات لحسم أمرها والأهم من كل ذلك التأكيد للناس والساكنين حول هكذا مقامات مقدسة بأهميتها ومكانتها الدينية والثقافية وأنها تعد جزءاً لا يتجزأ من تراث كربلاء من الثقافة الحسينية.
|
|