أحاديث للشباب
الشباب و وسائل الإتصال الحديثة
|
*حيدر عبد الرضا الظالمي
بعد سقوط النظام البعثي المقبور وإنفتاح العراق على العالم الخارجي ظهرت لنا العديد من وسائل الإتصال الحديثة كالستلايت والإنترنت والموبايل، وفي الحقيقة فإن كل واحدة من هذه الوسائل كان عاملاً في تحول مجرى الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية في البلد الى حيث تسير سفينة العالم الغربي تجاه عصر السرعة والعولمة والديمقراطية والحرية وهي مسميات لم يألفها الشارع العراقي من قبل.
من جهة أخرى يلعب الإعلام وبوسائله المرئية والمسموعة والمقروءة كافة، دوراً مؤثراً في صناعة الرأي العام وفي التأثير على سلوكيات الناس، كما له اليد الطولى في صناعة القرار السياسي في كافة المجالات العامة للدولة الحديثة، وتُعد شريحة الأطفال والمراهقين والشباب الأكثر تأثيراً بوسائل الإعلام و وسائل الإتصال الحديثة لاسيما التلفاز المرتبط بالاقمار الصناعية وأجهزة الهاتف النقال، ويؤكد هذا الكلام حديث الإمام علي (ع): (إنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء إلا قبلته).
وبات من الواضح اليوم عدم وجود بيت ليس فيه جهاز تلفاز مع شرط أن يكون مرتبطاً بالاقمار الصناعية المتنوعة، وليس أدلّ على انتشار هذه الظاهرة، وجود الأطباق اللاقطة للاقمار الصناعية أو (الدش) لي فقط على أسطح البيوت والمحال التجارية، بل حتى أسطح الأكواخ والبيوت الطينية في ضواحي المدن والأرياف.
لا نناقش العوامل والأسباب التي أدت الى هذا الواقع، فأياً كانت فان النتيجة واحدة، لكن لننظر الى تأثيرات هذه الظاهرة، علّنا نحدّ منها ونتخذ الاجراءات الكفيلة لازالتها، فقد أصبح الجلوس أمام التلفاز في البيوت حالياً يستأثر بمعظم أوقات الناس وبالأخص الأطفال والشباب.
فقد أثبتت الدراسات والأبحاث أن الطلاب عندما يتخرجون من مرحلة الثانوية يكون الطالب قد أمضى أمام جهاز التلفزيون قرابة 15 ألف ساعة، بينما لا يكون أمضى في حجرات الدراسة أكثر من 10800 ساعة على أقصى تقدير وهذا في حالة كونه مواظب على الدراسة وقليل الغياب. ومعدل حضور البعض في الجامعة 600 ساعة سنوياً بينما متوسط جلوسه عند التلفزيون 1000 ساعة سنوياً.
وكذلك بينت الدراسة أن العلاقة بين الشباب العربي و وسائل الإعلام والثقافة (إن أغلبية الشباب ا لعربي والذين تبلغ نسبتهم 76% لا يقرأون الكتب دائماً بل يكره الكتب الدراسية ويفضل القصص والروايات) وشملت الدراسة أن التلفزيون يحظى بنصيب الأسد وإن مشاهديه يزيد عددهم أربعة أضعاف قرّاء الكتب وثمانية أمثال مشاهدي السينما وحوالي ضعف مشاهدي الفيديو وأكثر من ضعف المستمعين للمذياع.
إن الإدمان والاعتياد على مشاهدة التلفزيون يعدّ خطراً كبيراً جداً على تقدم الانسان من الناحية العلمية والمعرفية، ويمكن أن يكون عاملاً أساس في تدمير البنية الأخلاقية للانسان، عندما ينشغل بها عن أداء الفرائض الدينية، لسبب بسيط واحد، وهو عدم تسابق القنوات الفضائية على إثارة الغريزة الجنسية لدى الشباب وحتى المراهقين، فالواضح أن لغة الجنس سريعة الفهم وسهلة التلقي.
لا نقول: علينا هجر التلفاز نهائياً بداعي الخشية من التأثر بالآخرين، فهي خطوة الى الوراء في الحقيقة، لكن يمكننا اختيار القنوات المعروفة بخدمتها للثقافة السليمة والفكر الأصيل، وتقدم ما يتناسب والذوق العام ويلبي طموحات الشباب في التقدم العلمي والانسجام الأسري، وليس العكس كما تروج له الكثير من القنوات التي تدعو وبصوت عالٍ الى هدم أسوار العائلة والتحلل من الالتزامات الدينية والاخلاقية وإطلاق العنان للميول الجنسية بمبررات تافهة وغير معقولة لا ترقى للنقد والمناقشة.
والأهم من ذلك، تحديد الوقت والمدة الزمنية للشاشة الصغيرة، ولتكن مظلمة ومغلقة لساعات في اليوم، مقابل إنارة غرف المطالعة ومراجعة الدراسة للأولاد والبنات، ثم العودة في وقت الفراغ و لمعالجة حالة الملل، بمشاهدة بعض البرامج التلفزيونية.
إن احترام الوقت واستثماره من أهم الخطوات التي تجعلنا محترمين[ أمام الشاشة الصغيرة، فهي من الجمادات المصنوعة بأيدينا نحن البشر، وليس من المعقول واللائق أن ننخدع من قبل شيء صنعناه بانفسنا، وقد أكد القرآن الكريم على أهمية الوقت الزمن، وأن انقضائه يُعد خسارة في الدنيا والآخرة، حتى إن الله سبحانه وتعالى قد أقسم به في سورة (العصر): "والعصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر".
|
|