كما يكون " قانون الانتخاب" يولّى عليكم !؟
|
نعمان التميمي
ما يزال المواطن العراقي يواجه معاناة ومشاكل متعددة في شتى مجالات حياته اليومية، كما تعاني البلاد من ضعف كبير في مؤسسات الدولة وجهازها الاداري المتشعب والمثقل بالروتين ونظام موروث فاسد ومتخلف في الثقافة العامة لادارة الدولة. ورغم الموارد والخيرات المادية الكبيرة والطاقات الانسانية الواسعة والمتنوعة، التي منّ الله بها على بلادنا، وغيرها الكثير من مقومات واسباب النجاح والبناء والتقدم والتطور والرفاهية، إلاّ إننا ما نزال منذ عقود متمادية وحتى هذه اللحظة، نشكو ونعاني تحت ثقل ووطأة الأزمات والمشاكل، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والخدمية وغيرها.. وذلك لأسباب عديدة لا يتسع المجال هنا للخوض فيها وتفصيلها...
دائما وعلى مدى كل اربع سنوات، نرى المواطن "يتوسل" نيل حقوقه، واقفا على ابواب الدوائر، والحكومة والبرلمان والمسؤولين (إن لهم اصلا ابواب يعرف المواطن طريقها"، ولكنك مع كل موسم انتخابي في نهاية كل دورة و"عُمر" حكومة وبرلمان، تشاهد أن الصورة انقلبت 180 درجة !، فمن كان "كالكبريت الاحمر" يعزّ لقاءه ورؤيته ماشيا في الازقة والاحياء الشعبية ليواسي الناس"الذين انتخبوه سابقا" ليستمع لهم ويطلع على احوالهم، تراه اليوم هو من يقف على ابواب المواطنين "متوسلا" اصواتهم !، فيما يسارع البعض منهم و بحكم منصبه وموقعه الى حملة كرم حاتمي من "المال العام" ليوزع الاعانات والدعم الرسمي والاراضي، أو فتح "بازار" المشاريع الرسمية وافتتاحها خلال الحملة الانتخابية، واغلبها مشاريع "لم تكتمل" ...!
إن هذا الشعب المضحي والصابر ــ الذي يستحق أن (يُخدم لا أن يُستخدم) من قبل الساسة والمسؤولين في الدولة ــ أعطى وقدم ولا يزال، الكثير الكثير، على الرغم من توالي الأزمات و الاحباطات – للأسف الشديد – على المواطن العراقي، نتيجة الاخفاقات والاخطاء والتقصير في عمل الحكومة والبرلمان على السواء، وسوء ادارة الدولة، بسبب عوامل قد يكون بعضها موضوعيا ويمكن تفهمه، وبعضها الآخر غير مقبول ومبرر على الاطلاق، ومن بين ذلك على سبيل المثال لا الحصر،
فقدان حسّ المسؤولية والإتزان والاحترام فيما بين الساسة والمسؤولين والنواب، وخاصة في اسلوب الكلام والتصريحات المتبادلة فيما بينهم، ولعل هذا بات واضحا و"فاقعاً" فيما يشهده المواطن هذه الايام، من اساليب في الدعاية الانتخابية تصل في الكثير من الاحيان الى حدّ "التسقيط" والتشهير وتقاذف الاتهامات لدرجة "السباب"! بين هذا المرشح وذاك وهذه الكتلة والقائمة وتلك!، مضافاً اليه كمّ الوعود البراقة والوردية و"المُبالغ فيها"، دون وجود اي تخطيط علمي مدروس لتنفيذها، و التي قد يعلم المرشح اوقائمته انها ربما لاتستند الى عوامل وارضية حقيقية تسمح بترجمتها على ارض الواقع خلال فترة 4 سنوات ، وهي بالمناسبة نفس الشعارات والوعود تقريبا التي سبق وان أُستخدمت في الانتخابات السابقة، البرلمانية وفي مجالس المحافظات حتىّ !؟.. فإذا بها "تتبخر" وتصدم بعوائق كبيرة ومتعددة، اغلبها ناتج ليس عن قلة الامكانيات المادية، إنما في الحقيقة عن ضعف وغياب التخطيط السليم، والتنفيذ الصحيح، والمراقبة الحقيقية، وغياب الكفاءة، وتخبط في الادارة، وفي برمجة الاولويات في العمل، وطغيان الجانب الاستعراضي او"الهامشي اوالثانوي" ، وتفشي الفساد، وتقديم المصالح الفئوية والحزبية الخاصة على الصالح العام، ومايتبع كل ذلك من الابتعاد عن بناء دولة المؤسسات والمواطن، القائمة على العدالة الاجتماعية والمساواة، الى دولة "المزرعة" والاحزاب والكيانات، وزعاماتها ، القائمة على المحاصصة والتوافق السياسي الفئوي.. فاذا بالمواطن أمام رجال وأحزاب "سلطة" يتصارعون، لا أحزاب ورجال"دولة" يتنافسون !، حتى قال أحد المواطنين مواطن "الناخبين" :" كذب المرشحون ولو صدقوا !"، وآخر يقول:" لقد تشابهت علينا" الصور والوجوه والشعارات والوعود ، حتى لم نعد نميز بين الحقيقي والصادق منها ومن"لاشية فيها" عن غيرها، او أنه ليس هناك من فائدة من مشاركته، لإنه بصوته او غيره، فأن "شِباك" الوعود والاحزاب ستحمل من بحر الانتخابات "صيدا" مليئاً بالكثير من "الغث" والقليل من "السمين" لتضعه في سلة البرلمان والحكومة!، وسيكون أحد الاسباب الرئيسة لذلك هو نظام إحتساب الاصوات والمقاعد، و مايسمى بـ"القاسم الانتخابي" او بالاحرى مايستحق أن يوصف بـ"القاصم" لظهر الديمقراطية وارادة الجماهير، وتزيييفها، فالقائمة "مفتوحة"، لكنها طبعا لن تعبر عن ارادة واختيار الناخبين بشكل صادق وشفاف بالشكل والدرجة التي يطمح لها الشعب، وقد إتضح ذلك جليا في انتخابات مجالس المحافظات، فقد ينال مرشح الاف الاصوات من المواطنين، لكنه "يخسر" !، فيما "يفوز" من لم ينل سوى بضع مئات من الاصوات او أقل من ذلك !؟، فقائمة تفوز ربما بمقعدين ونسبة اصوات لاتتجاوز الخمسة والثلاثين بالمئة، فغذا بها تحوز برافعة" القاصم" الانتخابي،أكثر من خمسة مقاعد، ونسبة اصوات "تضاف" للقائمة، وهي لم تحصل عليها أصلا، لتزيد حصتها عن الستين بالمئة!.
إذاً .. أيكون كل مامرّ ذكره ، دعوة للمواطن وتبريرا له، لكي يتخلى عن حقه وواجبه في التصويت ؟! .. نقول، على الرغم من كل ذلك ومرارته واثره اليسىء، إلاّ أن الشعب العراقي ليس أمامه في الحقيقة من خيار، إلاّ أن يبقى يحدوه "الأمل" ويحمل التطلع والطموح الى نيل حقوقه المشروعة، وبناء دولته وحياته على أسس راسخة من العدل والانصاف والكرامة والمساواة، والعيش الكريم، وضمان مستقبل زاهر وآمن مطمئن لإجيال هذا البلد. وعلى الرغم من أن الاتتقادات من هنا وهناك قد تكون لاذعة ومرّة، إلاّ ان الحديث عن نواقص وعيوب ومؤاخذات، وهي كثيرة،على الممارسة السياسية والعملية الديمقراطية، ، فإن التجربة الوليدة مع كل ذلك تترسخ وتتقدم، شيئا فشيئا، وكما قال أحد المتابعين، فإن "هذه الانتخابات ستشهد مثل سابقاتها عيوبا كثيرة ..، لكن بالتأكيد ستتفتح ورود أكثر، وستتحق آمال عراض في طريق الديمقراطية.. وكل ذلك في سياق علاج ترسانة الأمراض المزمنة التي يعاني منها العراق".
وحتى نكون جميعا ً على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقنا، ولأن عملية التصحيح والتقويم والاصلاح والتغيير الايجابي نحو الأفضل تتطلب من كل فرد من أبناء الشعب أن يتحمل مسؤوليته ويؤدي دوره في عملية ومسيرة مستمرة ومتوالية و بالتأكيد " صعبة أيضا" ، من الاصلاح على كافة الصعد سياسيا واقتصادياً واجتاعياً، بما في ذلك "قانون الانتخابات" مستقبلا، واضعين في ذلك نصب أعيننا ضرورة التعاون وتوحيد الجهود والكلمة تحت راية ودعوة القرآن الكريم الذي يصرح ويدعو ويبلغ بكل وضوح وشفافية، إن للتغيير والاصلاح سنة ربانية، متى ما وعاها وحملها و عمل بها أي مجتمع، تقول وتؤكد: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) وكذلك: (ما كان الله ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون). وحيث إن زمن الطاغوت قد ولّى عنّا ـ وإن كانت آثاره السيئة ما تزال للاسف تخيم على وضع بلادنا ـ وحيث أن الانتخابات البرلمانية على الأبواب، وحيث أن المواطن العراقي هو لا غيره من يتحمل القرار والمسؤولية، ويحمل بيده مفاتيح ونتائج هذه الانتخابات (ولو بدرجة ونسبة لاتزيد عن 60 بالمئة في رأيي وفق قانون الانتخابات الحالي)، فإن ذلك يدل إن المواطن كفرد والشعب كمجموع، من يجب أن يمارس وبوعي ومسؤولية وحرص كبير، عملية التغيير الايجابي والاصلاح نحو الأفضل، عبر صناديق الاقتراع، ليوصلوا الى مواقع المسؤولية ومراكز القرار، من يمثلهم ويعبر عن صوتهم وتطلعاتهم من المرشحين الذين يثق بهم هذا المواطن، وبصدقهم ونزاهتهم وكفائتهم، وفق معايير شرعية ووطنية واخلاقية بعيداً عن أي تأثيرات سلبية من أهواء وتحزبات وأنانيات ومصالح شخصية ضيقة. وبذلك، وأيضا"بنسبة ودرجة" يُعتدّ بها ، يتحمل المواطن، والشعب عموما، المسؤولية عن طبيعة ونوعية وأداء من يتولون ادارة شؤون دولته، من حكومة وبرلمان ووزارات وسائر المؤسسات الكبرى التي تكون على تماس مباشر بحياته، وادارة الموارد وصياغة الخطط والبرامج والمشاريع التي تضمن عملية النهوض وبناء البلد واعماره وتحقيق مطالب الشعب (وهم الناخبون) ، الذي بأصواتهم يقررون ويختارون بكل حرية ووضوح من يتولى هذه المواقع والمسؤوليات الجسام، وكما جاء في الحديث: (كما تكونوا يولى عليكم)، وبذلك فإن الفرصة متاحة أمام الجماهير لتطبيق ولو نسبة ما من مضمون هذه الحكمة البالغة، من خلال المشاركة الواعية والفاعلة و الواسعة في الانتخابات، إن شاء الله تعالى، وإن كنت اسمح لنفسي هنا ، وعلى ضوء التجربة ، أن أقول" كما تكونوا" و"كما يكون قانون الانتخابات" ، "يولّى عليكم" !؟.
|
|