السيد علي (العريضي) ابن الامام الصادق (ع) .. عالمٌ في خدمة الرسالة
|
*كريم الموسوي
عندما نبحث عن الأسوة الحسنة والقدوة الصالحة في طريق التكامل الانساني، يجب ان نغبط انفسنا لأننا ندين بالولاء لأربعة عشر معصوماً جعلهم الله تعالى مناراً للبشرية جمعاء في نواحي الحياة كافة، لاسيما وانهم صلوات الله عليهم، يشكلون منظومة اجتماعية متكاملة لاتدع مجالاً لكل منصف عاقل، إلا وان يشكر الله على هذه النعمة العظيمة للانسانية وليس لنا وحسب، فهم تجسيد للاخلاق والتربية والعلم والكفاح والتضحية وكل القيم الفاضلة. ولمن يقول: انه رسول الله، النبي المصطفى من قبل السماء...! او انه الامام علي بن أبي طالب...! ومن يصل الى مكانته؟ ومن يحمل صفاته؟ او انها فاطمة...! وهل كل إمرأة تكون فاطمة...؟! وهكذا سائر الأئمة المعصومين، فان هذه الحجة لن تصمد بوجود اسماء كبيرة ومضيئة استقت قوة تأثيرها من أولئك المعصومين صلوات الله عليهم، فهنالك من أولاد الأئمة الاطهار عليهم السلام، كما هنالك من أصحابهم والتابعين والموالين ممن كانوا يحملون علومهم واخلاقهم وصفاتهم الى حدٍ كبير. ومن هؤلاء صاحب الذكرى السيد علي ابن الإمام جعفر الصادق (رضوان الله عليه)، الملقب بـ (علي العريضي)، الذي نعده اليوم ذلك العالم المعروف والطاعن في السن الذي انحنى أمام الامام الجواد عليه السلام وهو صبي صغير، تواضعاً لله غير عابئ بمكانته الاجتماعية والعلمية، واضعاً القيم الرسالية فوق كل اعتبار.
انه السيّد أبو الحسن، عليّ ابن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، سكن (العريض) من نواحي المدينة المنوّرة، فنُسب إليها. ولم تحدّد لنا المصادر تاريخ ولادته، إلّا أنّه كان صبيّاً لم يبلغ الحلم عند وفاة أبيه الصادق عليه السلام عام 148?. بمعنى ان سنة ولادته قد تكون حوالي عام 135هـ .
العلم في خدمة أهل البيت (ع)
عمّر السيد علي بن جعفر الصادق عليه السلام ردحاً من الزمن، فوظف هذا العمر المديد في خدمة أئمة الهدى، فهو اضافة الى كونه شقيق الامام الكاظم عليه السلام، اصبح عمّاً للامام الرضا ثم ولده الامام الجواد وأدرك الامام الهادي عليهم السلام، بمعنى انه عاصر خمسة أئمة معصومين.
الى جانب علمه الجمّ وما استلهمه من بيوت "أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه"، فقد كان وجيهاً محترماً لدى الشيعة الإمامية، حيث يفدون إليه، وينهلون من علومه التي تلقّاها من المعصومين عليهم السلام.
ومن اخلاقه الرفيعة و أدبه مع الإمام الجواد عليه السلام، يروي محمّد بن الحسن بن عمّار: كنت عند عليّ بن جعفر بن محمّد جالساً بالمدينة، وكنت أقمت عنده سنتين أكتب عنه ما يسمع من أخيه ـ يعني الإمام الكاظم عليه السلام ـ إذ دخل عليه أبو جعفر محمّد بن عليّ الرضا عليهما السلام المسجد ـ مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله ـ فوثب عليّ بن جعفر بلا حذاء ولا رداء فقبّل يديه وعظّمه، فقال أبو جعفر عليه السلام: يا عمّ، أجلس رحمك الله، فقال: يا سيّدي وكيف أجلس وأنت قائم...؟ فلمّا رجع عليّ بن جعفر إلى مجلسه جعل أصحابه يوبّخونه ويقولون: أنت عمّ أبيه، وتفعل به هذا الفعل؟
فقال: اسكتوا، إذا كان الله ـ وقبض على لحيته ـ لم يؤهّل هذه الشيبة، وأهّل هذا الفتى ووضعه حيث وضعه، أ أنكر فضله؟ نعوذ بالله ممّا تقولون، بل أنا له عبد).
محل ثقة العلماء
طوال الفترة التي عاشها علي بن الامام الصادق عليه السلام، تحول الى علم من أعلام الحديث عن المعصومين، لذا فهو من أهم مصادر الحديث بالنسبة لعلمائنا الاعلام. قال عنه الشيخ المفيد (قدس سره) في (الإرشاد): (وكان عليّ بن جعفر راوية للحديث، سديد الطريق، شديد الورع، كثير الفضل، ولزم أخاه موسى عليه السلام، وروى عنه شيئاً كثيراً). وقال عنه الشيخ الطوسي (قدس سره) في (الفهرست): (جليل القدر، ثقة). وقال السيّد علي البروجردي (قدس سره) في (طرائف الرجال): (ثقة ثقة، كثير الرواية عن أخيه موسى عليه السلام، وفضله وجلالته أجلّ وأشهر من أن يُذكر).
وممّن روى عنهم والده الإمام الصادق وأخوه الإمام الكاظم، وزابن أخيه الإمام الرضا (عليهم السلام)، والحكم بن بهلول، وعبد الملك بن قدامة، ومحمّد بن مسلم، ومعتب مولى الإمام الصادق، والحسين بن زيد الشهيد. أما من الراوين عنه: السيّد عبد العظيم الحسني، ومحمّد بن الحسن بن عمّار، وأبو قتادة عليّ بن محمّد بن حفص القمّي، وأحمد بن محمّد بن عبد الله، وإسماعيل بن همام، والحسين بن عيسى بن عبد الله، و زكريا بن يحيى بن النعمان الصيرفي، وسليمان بن حفص، وعبد الله بن الحسن، وعليّ بن أسباط، العمركي بن عليّ النيسابوري، ومحمّد بن عبد الله بن مهران، وموسى بن القاسم البجلي، ويعقوب بن يزيد.
أما عن مؤلّفاته، فالمؤسف انها ضاعت في غمار الاحداث، ولم يصل إلينا منها إلّا كتابه الوحيد القيّم، وهو (مسائل عليّ بن جعفر)، ويحتوي على أسئلة عرضها على أخيه الإمام الكاظم عليه السلام، و ردود الإمام عليه السلام على تلك المسائل.
توفي علي بن الامام جعفر الصادق عليه السلام، في السابع والعشرين من ذي الحجّة 220? مع الاخذ بنظر الاعتبار انه عاصر الامام علي الهادي عليه السلام، وكان قد بلغ من العمر نحو 85 عاماً، ودُفن في مدينة قم المقدّسة. ومرقده الشريف يُعد اليوم مزاراً لمحبّي أهل البيت عليهم السلام.
|
|