ما هو الكوثر.. ومن هو الأبتر؟!
|
*مرتضى محمد
نقل (الواحدي) في أسباب نزول سورة الكوثر عن إبن عباس قوله: نزلت في العاص بن وائل، وذلك أنه رأى رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يخرج من المسجد وهو يدخل، فالتقيا عند باب بني سهم وتحدثا وأناس من صناديد قريش في المسجد جلوس فلما دخل العاص قالوا له: من الذي كنت تحدث؟ قال: ذاك الأبتر! يعني النبي صلوات الله وسلامه عليه، وكان قد توفي قبل ذلك عبد الله بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان من خديجة، وكانت العرب في الجاهلية يسمون من ليس له إبن بـ(أبتر)، فأنزل الله تعالى هذه السورة. (أسباب النزول، ج1، ص161).
وكما هو واضح فأن العاص بن وائل كان واحداً من مشركي قريش الأشداء على رسول الله صلى الله عليه وآله، إذ كان ينتقص من النبي الأكرم (ص) في كل مناسبة، حتى عرف بقوله هذا بين قريش، وقد اشتهر بهذا العمل القبيح، وقد ترك أثراً على قلب الرسول الأكرم (ص) الذي تألم من قوله أشد الألم، فأراد الله سبحانه أن يثبت هذا الأمر في قرآنه الكريم حتى يصبح (العاص) مثلبةً للتاريخ، وقد أورد الواحدي رواية أخرى للعاص وهو يذم الرسول فيها وقد جاء في الرواية: (حدثني يزيد بن رومان قال: كان العاص بن وائل السهمي إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: دعوه فإنما هو رجل أبتر لاعقب له، لوهلك انقطع ذكره واسترحتم منه، فأنزل الله تعالى في ذلك: (إنا أعطيناك الكوثر) إلى آخر السورة، ونقل أيضاً عن عطاء عن ابن عباس: كان العاص بن وائل يمر بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ويقول: إنني لأشنؤك وإنك لأبتر من الرجال فأنزل الله تعالى: (إن شانئك هو الأبتر) من خير الدنيا والآخرة.
من يقرأ هذه الروايات و روايات أخرى غيرها يدرك أن العاص بن وائل كان قد اتخذ من شنآن أو نعت النبي الأكرم (ص) بالأبتر كمسلك لمواجهة الرسالة التي يبثها بين الناس، فهو يظن بأن وفاة أبناء الرسول الواحد تلو الآخر هو دليل على ضعفه وعدم اتصاله بالسماء فلوكان نبياً لجعل (حسب عقيدة العاص) له من يخلفه من الذكور. و أراد الله سبحانه أن يردّ على العاص ويسكت صوته اللئيم، فأنزل هذه السورة وبشرّ رسوله فيها بالخير العظيم وهو (الكوثر).
وفي كتب التفسير أن الكوثر على وزن (فوعل) من الكثرة وهو الشيء الذي من شأنه الكثرة، والكوثر الخير الكثير، والاعطاء على وجهين: إعطاء تمليك، وعطاء غير تمليك وإعطاء الكوثر إعطاء تمليك كإعطاء الأجر.
وقد تعددت الآراء بشأن الكوثر فمنهم من قال انه:
1ـ نهر في الجنة: فقد جاء في الدر المنثور: (وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له أخبرني عن قوله تعالى: "إنا أعطيناك الكوثر" قال: نهر في بطنان الجنة حافتاه قباب الدر والياقوت فيه أزواجه وخدمه.
2ـ النبوة.
3ـ حوض النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي يكثر الناس عليه يوم القيامة.
4ـ الخير الكثير.
ونحن إذ نقلنا أكثر الأقوال بشأن معنى الكوثر فإننا لاننفي أن تكون كل الأمور التي قيلت واقعة تحت المعنى الشامل الواسع للكوثر وهو الخير الكثير، فالنبوة هي بلاشك خير للرسول صلى الله عليه وآله، وكذلك النهر في الجنة وكذا القرآن الكريم، وبقية الأمور الأخرى لكن جميعها لايقابل شنآن العاص بن وائل الذي شنئ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله في أنه ابتر من ناحية الأبناء، فالرد المناسب يكون له إن الله عزوجل سيرزق النبي الأعظم (ص) نسلاً يمتد إلى يوم القيامة من ناحية الزمن ويتسع ويكبر عدداً بحيث يصبح الأكثر نسلا بين الرجال، وهذا ما هو حاصل فعلاً حيث أن نسل رسول الله صلى الله عليه وآله من إبنته فاطمة الزهراء سلام الله عليها هو الأكثر عدداً، بينما لا أحد يعرف نسل العاص بن وائل، فهذا هو الأبتر الذي ذكره القرآن الكريم: (إن شانئك هو الأبتر). إذن ففاطمة عليها السلام هي الكوثر الذي جاء معناه ليقابل المعنى الذي ذكره شانئه العاص بن وائل وهو انه أبتر، فأراد الله عزوجل في هذه السورة أن ينفي صفة الأبتر عن نبيه (ص) وهذا النفي لايكون إلا بالمعنى الذي قلناه، مع التأكيد إنه لاننفي أن تقع الأمور الأخرى كنهر الجنة وغيرها هي من الكوثر أيضاً.
|
|