حق المواطن أم "مال سياسي" ؟!
|
علي التميمي
لاشك أن الارتقاء بالمستوى المعيشي والاقتصادي للفرد من شأنه أن يعزز الاستقرار والثقة في أي مجتمع ويدفع بعجلة التنمية قدما إلى الأمام، ولذلك تسعى الدول المتقدمة إلى التنافس في هذا الجانب وتضعه على قائمة الاهتمامات الرئيسة في سياساتها، فهي من جانب تكسب ثقة مواطنيها وإخلاصهم، ومن جانب آخر تضمن استقلالهم وعدم تبعيتهم وتأثرهم بأي نوع من الضغوطات الإعلامية والسياسية أو الاقتصادية. وإذا ما أردنا نحن اليوم في بلادنا أن نلحق تلك الدول المتقدمة فإن علينا أن نعطي قضية المستوى المعيشي والاقتصادي للمواطن أولوية خاصة، وهذا يستدعي أن نطور العقلية السياسية والاقتصادية في تعامل الحكومة مع المواطن الذي ينبغي أن يُنظر إليه كشريك أساس في تقاسم الثروة وليس كمجرد مشروع كسب سياسي مؤقت بفتح بازار الانتخابات !، او مجرد موظف أو "متسول" يستجدي من الحكومة إحساناً أو صدقة!. ومع أننا وبعد اكثر من سبع سنوات من التغيير، (يُفترض) أننا دخلنا مرحلة جديدة من خلال مشروع بناء اصلاحي متعدد الجوانب والمهام، إلا أن المتتبع للواقع السياسي يرى أن الأمور بالنسبة إلى المواطن بقيت على حالها إلى درجة كبيرة، وبدلاً من التفكير الجذري في حل المشكلة بطريقة سليمة وجادة فإن الأسلوب جاء على طريقة وثقافة "المنح" حالياً، "المكرمات" سابقا، التي تعالج قضايا عرضية وليست أساسية.
وبينما يعطي البرلمان و الحكومة لنفسيهما الحق في زيادة رواتب وامتيازات ومخصصات (جيش) من النواب والمسؤولين والمستشارين و...، فإنهما من جانب آخر يبدوان في واد آخر تماما غير وادي (جيوش) من ذوي الدخل المحدود والفقراء وهم بالملايين.. وقد يتم تبرير هذه الرواتب والامتيازات الخيالية للنواب والمسؤولين في الحكومة بإنها بمثابة الحافز المهم لشغل هذا المنصب وذاك، وقد نقول تساهلا أن تبريراً كهذا ربما يكون معقولاً، ولكن: لو أن الوضع الاقتصادي للمواطن معقول أيضاً، أما أن يتحول المال والثروة والامتيازات إلى"دُولَةً بَيْنَ الأغْنِيَاء مِنكُمْ" كما يعبر القرآن الكريم فذلك أمر غير معقول ويمثل ظلماً كبيراً من قبل الحكومة والبرلمان (وهما ممثلا الشعب !؟) بحق جموع كبيرة جدا من الناس الذين يعيشون في حال اقتصادي سيئ يدفعهم إلى العمل ليلا ونهارا في حرّ الصيف وبرد الشتاء، فتتفطر و(تمجل) الايدي الكادة على لقمة عيالها لحد الاعياء والملل، في الوقت الذي يكون مطلوبا منها (نفس هذه الايدي) أن تلون اصابعها بـ(البنفسج) عند كل موسم انتخابي، لترفع ممثليها الى تلك الكراسي التي تدر عليهم بهذه الرواتب والامتيازات التي ما انزل الله بها من سلطان.
وهل بهذا المنهج والسلوك يمكن أن تبنى ثقة واخلاص وتقدير وصدق متبادل بين المواطن العادي والمسؤول ؟!.
إنها باليقين والقطع سياسة خاطئة في التوزيع للثروة، وإذا ما استمرت فإنها سوف تؤدي حتماً إلى "مواطن آيل للسقوط" وليس فقط "بيوت آيلة للسقوط"، ولن اتحدث هنا عن ازمة السكن !؟. فهل هذا حقا مايريده برلماننا وحكومتنا ؟ وإلى متى يبقى يُدار البلد من خلال ما يمكن ان نصفه بـ لعبة "المال السياسي " التي تفقد المال "زينته" وتسلب السياسة "إبداعاتها" وتجعل الناس مجرد أدوات في "اللعبة" ؟!.
إن علاقة الحكومات والبرلمانات مع الناس من المفترض انها ليست وقتية أو موسمية وإنما هي علاقة دائمة قائمة قبل كل شيء على قيم الثقة والانصاف والعدل ومن ثم تبادل المنفعة والمصالح المشتركة، فقد جاء عن الرسول (ص) : "خصلتان ليس فوقهما من البر شيء، الإيمان بالله والنفع لعباده، وخصلتان ليس فوقهما من الشر شيء، الشرك بالله والضر لعباد الله"، وهي نظرية أخلاقية رائعة تبني لعلاقة تقوم على أساس أن خدمة الناس واجب ومسؤولية قبل أن تكون مصلحة أو "منّة" و"مكرمة" و"منحة" !، فإذا ما أراد اعضاء مجلس النواب (الجديد وماسيليه) واعضاء الحكومة (المقبلة ومابعدها) أن يعملوا حقا على خدمة الناس فإن عليهم أن يعملوا بالعدل و "بالإنصاف" بعيداً عن "الغبن"، فينظروا إلى الناس بعين الرفق والرعاية والمواساة ولن اكون متفائلا اكثر لإقول وبـ"المساواة" ايضا مع انفسهم وعوائلهم، وإن كان هذا هو المطلوب اصلا فيمن يتولى زمام الحكم ويتقلد المناصب العامة. فلا يعقل أن يكون هذا الفارق الشاسع والخيالي بين رواتب ومعيشة وامتيازات المسؤول في وظيفته العامة، وبين المواطن البسيط الذي هو صاحب الفضل الاول والاخير على ايصال ذلك المسؤول لمنصبه ووظيفته، ولنا في تاريخنا الإسلامي المشرق خير قدوة وأسوة، فهذا الإمام علي عليه السلام في عهده لواليه مالك الأشتر رضوان الله عليه يقول: "وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين، وإما نظير لك في الخلق". والله من وراء القصد.
|
|