تحت الضوء
القانون إكسير الخدمات
|
*محمد علي جواد تقي
لا أعتقد أحداً في العراق يأنس بالبقاء في دوامة الخدمات والعلاقة الجدلية بين المواطن والمسؤول الحكومي، فالمواطن يتحدث عن مسؤولية (المسؤول) وإسقاطاته وأخطائه الى حد يعدها البعض بالجرائم الكبرى، فيما المسؤول يتحدث عن (مسؤولية) الناس ودورهم في إعادة الأمور الى نصابها، لكن أمراً واحداً في هذا الوسط يبدو غائباً أو لنقل محجوباً عن الأنظار ولا يلتفت اليه الطرفان – علماً نحن نعد انفسنا من الطرف الثاني- ألا وهو القانون.
وبعيداً عن الأجواء السلبية المخيمة على أوضاع البلد والمشاحنات والتناقضات الكبيرة، فان القانون كمادة دراسية نجدها تدرّس في الجامعات بكل احترام وتبجيل، كما تحظى بسلطة كاملة هي السلطة التشريعية يخدمها في الوقت الحاضر (325) نائباً منتخباً من هذا الشعب، وعليه فلابد من رفع شأن القانون بدلاً من الاسخفاف به وعدّه أمراً مثالياً وبعيداً عن أرض الواقع، بينما نكرّس بعظمة لساننا الفساد والفوضى والحرمان و...
مثالٌ بسيط على ذلك...
كنا في طريق العودة الى البيت مساءً في سيارة مع مجموعة من الاصدقاء، وفي الطريق انقدح موضوع الكهرباء بشكل سريع ولاهب، وصبّ أحد الأخوة جام غضبه على الوزير والمسؤولين وكل من عدّه مسؤولاً عن هذه الأزمة، وما أن ترجلنا من السيارة مودعين الأخوة، حتى انتقلنا الى الجانب من الشارع بانتظار سيارة (الكيّة) لتنقلنا الى حيّنا السكني، دون أن نعرف أننا نقف بجانب لوحة (ممنوع الوقوف). اقترب منّا ضابط برتبة ملازم ثاني في شرطة المرور، وسألنا بأدب ولباقة: أين وجهتكم؟ وعندما أجبنا على سؤاله، قال: انتم تقفون في المكان الذي يمنع فيه وقوف السيارات، والنتيجة أنكم ستهرولون ونحن أيضاً سنهرول خلف السيارات لتسجيل الغرامة و... فلماذا كل هذا العناء، بالقرب منكم (الكراج) وقد اصطفت سيارات الأجرة والسائقون (على باب الله) وهي بانتظاركم بكل احترام...
الملاحظة والتوضيح كان مفحماً ولا مجال للمناقشة فما كان منّا إلا أن نغادر المكان بهدوء ونتجه الى (الكراج)، وقلت لصاحبي ليت بقية المسؤولين يقتدون بهذا الضابط الشاب والمواظب، وينصحون الناس بالتوجه نحو البديل الأحسن والأفضل لا أن يحملوهم أعباءً فوق أعبائهم وتكون نصحيتهم أو وعودهم بل أي كلمة يتفوهون بها بمنزلة نذير الشؤوم الذي يصدمهم، كما هو حال الكهرباء، التي اعتقد إنها تتحول يوماً بعد آخر بشكل عجيب وغريب حقاً، الى عامل وسبب لانتهاك القانون والتقليل من شأنه، كما حصل مع قرار مضاعفة أجور الكهرباء على المواطنين، في وقت لا يجهل مسؤولو الكهرباء وفي مقدمتهم (الوزير) الكم الهائل من التجاوزات على الأسلاك من قبل الكابلات الصادرة من البيوت ذات أجهزة التكييف المتعددة.
إن القانون يمكن أن يكون إكسير الخدمات حقاً إذا كان على مسافة واحدة بين الحكومة وقراراتها وبين الناس الذين يطالبون بحقوقهم الطبيعية وفي مقدمتها الخدمات. وإلا يجب أن لا نفكر بالخدمات مهما كثرت الوعود والأقوال.
|
|