ذوو الاحتياجات الخاصة..
شجاعة في تحدي العوَق و دعوة تضامن الى المجتمع
|
تحقيق: نزار علي
لم يدرِ (رحيم هندي) أن أخاه (سالم) الذي ولد معاقاً قد يصبح في يوم من الأيام من أشهر رياضيي ألعاب القوى الخاصة بالمعاقين في كربلاء المقدسة، ويقول: "إن لديه قوة وطاقة كامنة أهلته لتجاوز عوقه ومواصلة حياته الرياضية والاجتماعية بصورة تامة".
ويحدثنا (سالم ـ 36 عاماً) والمصاب بالعوق الذهني - الولادي المعروف بـ(المنغولي) بأن "مرحلة الشباب الأولى كانت تتسم بالحيوية وممارسة الرياضة بأنواعها: الجري وكرة القدم وألعاب القوى، والآن أنا في مرحلة تفرغت فيها إلى العمل والعبادة المتواصلة وزيارة العتبات المقدسة في العراق، وأنا والحمد لله محبوب بين الجميع ولديّ أصدقاء كثر".
هذه الروحية العالية من (سالم) والثقة الكبيرة في النفس، جعلته يكوّن لنفسه برنامجاً ومنهجاً خاصاً به، ربما يكون نموذجاً ودرساً لمن يمتلكون الصحة والسلامة التامّة دون أن يستفيدوا منها، ويبدو إن سن الـ(36) سنة بالنسبة لـ(سالم) هي سن التقاعد والاستراحة، بعد مشوار قضاه في النشاط والحركة، ولم يرض لنفسه أن يكون عالة على المجتمع، كما صمم على ذلك منذ نعومة أظفاره، فقرر أن يفتتح محلاً لبيع أجهزة الهاتف النقّال ومستلزماتها، وهي الخيار السائد حالياً لبعض الشباب الباحثين عن فرصة عمل.
تعد شريحة ذوي الاحتياجات الخاصة؛ إحدى شرائح المجتمع التي تحتاج إلى الرعاية والاهتمام بها والعمل على تنمية قدراتها النفسية والمهنية ليكون لها دور مسهم في تطوير البلد مع بقية الشرائح الأخرى، خاصة وإن أغلب أفراد هذه الشريحة تمتلك من المقومات ما تفتح أمامها فرصة الإنتاج والإبداع في المجتمع بمختلف المجالات إذا ما وظّفت طاقاتها وابتكاراتها بالشكل الصحيح.
وفي العراق تُمثّل هذه الشريحة نسبة كبيرة بين شرائح المجتمع، هم نتاج مؤسف لظروف أقحم فيها العراقيون وباتوا ضحية للمغامرات الفاشلة والحروب العبثية التي استخدمت فيها أسلحة محرمة وظيفتها ليست تقليدية وإنما تقتل الضحية وهو واقف! فهي تخترق البُنية الفسيولوجية للمرأة فتصيبها بقصور في خلايا وأعضاء حساسة ورئيسة في الجسم، لتكون النتيجة الولادات المشوهة الخلقة، أو ظهور مواليد يحملون أمراضاً مزمنة أو خطيرة مثل أنواع مختلفة من السرطان، وربما كانت هي السبّاقة الى ذلك، ولو أن الله تبارك اسمه أحسن الخالقين، لكن هذا هو الإنسان و شروره
أمام هذا الواقع المؤلم الخطير الذي يظيف محنة أخرى على محن هذا البلد، يبرز السؤال العريض أمامنا: ماهي مسؤوليتنا وماهي الطريقة الفضلى للتعامل مع هذه الظاهرة لاستيعابها أولاً، ثم في المرحلة الثانية، ضخّ الأمل والثقة في نفوس هذه الشريحة المظلومة ؟ وهل فعلاً يمكن إفساح المجال أمامها لأن تجرب حضها في اختراق مجالات العمل والابداع والانتاج، أسوة ببقية شرائح المجتمع الطامحة؟
يجيب سالم محمد علي (معلم) في حديثه لـ (الهدى): "على المجتمع أن ينظر أولاً: إلى هذه الشريحة بالنظرة الإنسانية العطوفة وليس جعلها موضع استهزاء كما يفعله البعض للأسف، وثانياًَ: النظر إلى مكامنها الذاتية ومؤهلاتها الفردية التي وهبها الله سبحانه وتعالى لها حتى نستطيع توظيفها بالصورة الصحيحة ونضمن لها حياة هادئة تستطيع العيش في ظلها ".
ويتابع حديثه: "في ظل التطور والعمران ودخول التكنولوجيا الحديثة في ربوع بلدنا الحبيب، نرى أنه من الواجب الالتفات إلى شريحة ذوي الاحتياجات الخاصة وعدم تغييبها، بل توفير أماكن خاصة لتدريبهم وإظهار طاقاتهم الرياضية والعلمية والمهنية، وعدم جعل عوقهم سبباً يسدّ طريق الإبداع والمشاركة الفاعلة أمامهم".
حيدر صالح (25 عاماً) وهو طالب في قسم اللغة الإنجليزية بجامعة أهل البيت في كربلاء، أحد شواهد التحدي ومواجهة الإعاقة، يقول: "لقد مارست حياتي كأي إنسان عادي وأنا الآن طالب جامعي وقد عملت في مؤسسات إعلامية مثل (راديو كربلاء)، وفي الفترة الحالية أمارس عملي في محل لبيع المواد الغذائية ولم أدع العوق يكون حاجزاً في طريقي وأتمنى من أخوتي المعاقين أن يفكروا معي بنفس التفكير، وأرى الكثير منهم يدع مرضه يستولي على طاقته وقدراته الجسمية الأخرى، وهذا ما يؤدي إلى مضاعفات أخرى تسبب لهم الموت لا سمح الله" !
ويضيف: "أتمنى مستقبلاً أن أكمل دراستي الجامعية وأحصل على شهادة الماجستير في الأدب الانجليزي، ولم أتلقَ أي دعم حكومي وإنما أعيش بالاعتماد على نفسي وما أجنيه من عملي الخاص"!
وإزاء هذه الروحية العالية والعتب الكبير الذي يخفيه هؤلاء الطامحون في طيّات حديثهم وعلى طرف ألسنتهم – كما يُقال-، كان لابد من زيارة المراكز الحكومية المتولية أمر رعاية واستيعاب هذه الشريحة لمعرفة حجم الاهتمام والرعاية التي توليها الحكومة في كربلاء المقدسة على سبيل المثال طبعاً.. لذا توجهت (الهدى)، الى دائرة رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة في المحافظة، لتلتقي هناك بالسيدة (ثورة الأموي) مسؤولة الدائرة التابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، قبل كل شيء شرحت لنا السيدة المسؤولة طبيعة عمل الدائرة في المحافظة بانها "تحتوي على ثلاثة مراكز خاصة بذوي الاحتياجات الخاصة وهي مركزا (الأمل) للصم والبكم ومركز (الرجاء للمتخلفين) عقلياً وهما مركزان تعليميان يقدمان المناهج التربوية المعتمدة في المدارس الحكومية، وأيضاً هنالك مركز (الحنان) لإيواء واحتضان هذه الشريحة".
وعن أسباب ظهور هذه الحالات المرضية في المواليد تقول السيدة الأموي: "ان هذه الشريحة تشكل نسبة كبيرة في المجتمع، والسبب في ذلك هي الحروب وانتشار الإشعاعات النووية وكذلك مسألة زاوج الأقارب وأيضاً زواج الأم المتأخر".
وتضيف في هذا السياق: "بأن نسبة المعاقين تكون أكثر في المناطق الريفية وظهرت لدينا حالات جديدة ومنها مرض التوحّد الذي يشكل اليوم نسبة كبيرة، حيث يعد الطفل نفسه مختلفاً عن الناس، لذا يلجأ هذا النوع من المعاقين إلى العزلة ولكن مع الجهد المتواصل والتعليم والتدريب يمكن تأهيله وإخراجه من هذه الحالة النفسية".
وعن مراحل استيعاب وتأهيل المعاقين تقول السيدة الأموي: "يتم إدخال المعاقين في مدارس خاصة بهم لكي لا يشكل عوقه عقداً نفسية تحده من الاستمرار ولكن يمكنهم التواصل مع الأصحاء في الدراسة الجامعية، ويكون له الحق في المضي في مسيرة طلب العلم والوصول إلى الدراسات والشهادات العليا، خاصة وإن أغلب هذه الشريحة تتميز بدرجة عالية من الذكاء والمثابرة".
وتحدثت السيدة الأموي عن الجانب الايجابي في عملها، موضحة، "إن دعم الوزارة لشريحة المعاقين جيد كما أعتقد، ولكن في الفترة الأخيرة لم يتم تفعيل قانون تعيين المعاقين الذين يتخرجون من معاهدنا، حيث كان سابقاً يتم إيجاد فرصة عمل لهم في دوائر الدولة حسب قانون تعيين المعاقين لسنة 1980 وتحتوي دائرتنا على بعض الموظفين هم من شريحة المعاقين ولكن يعملون وفق القانون آنف الذكر"، مؤكدة بتميز "هذه الشريحة بالعمل الجاد والمضني ولم يكن عوقهم يوماً حاجزاً عن مواصلة الحياة ومشاركة أفراد المجتمع في المشروع الحياتي".
وعن المشاكل والتحديات التي تواجه عملية استيعاب هذه الشريحة توضح الأموي، إن الشريحة "تكون عرضة ً أحياناً للاستخفاف والسخرية من بعض الناس، لذا لابد من سنّ قانون يحمي حقوق هذه الشريحة ويشكل رادع قوي أمام كل من تسّول نفسه التعرّض لهم، بالاعتداء أو الاستغلال النفسي والجسدي من قبل ضعاف النفوس"، وأشارت السيدة الأموي في معرض حديثها عن هذا الموضوع: الى أن هنالك بعض العوائل تترك أطفالها المعاقين في دور الحضانة وتعد الأمر منتهياً بالنسبة لهم، ولا يعودوا يسألون عنهم والى أين وصلوا وما هي أوضاعهم؟ وعدّت هذه الظاهرة بالخطيرة، وقالت: "كيف يمكن أن ننهض بهذه الشريحة الضعيفة ما لم تكن العائلة وكذلك المجتمع الذي يعيشون فيه حضناً دافئاً لهم؟ فاذا حققنا هذا الغرض يمكننا آنئذ من توظيف طاقاتهم وقدراتهم بصورة إيجابية".
وكانت محطة (الهدى) الأخرى هي معهد (الأمل) للصم والبكم في كربلاء المقدسة لنلتقي السيدة (باسمة) مديرة المعهد وتشرح لنا طبيعة العمل وطرق التعامل مع شريحة المعاقين، "بالنسبة للمعاقين من شريحة الصم فمن الممكن وبصورة كبيرة توظيف طاقاتهم وقدراتهم في المجتمع لكلا الجنسين (الذكور والإناث) وفي مختلف المجالات الحياتية من الرياضة والفن وكذلك الحرف مثل النجارة والحدادة والخياطة حيث بإمكانهم العمل في هذه الحرف وتقديم الأعمال الفنية الجميلة، وهي مواهب فردية وهبها الله ـ سبحانه وتعالى ـ لهم لتعويضهم مما حرموا منه".
وتضيف السيدة باسمة: "يضمّ معهد الأمل في كربلاء (80) طالباً من الأعمار من (6-16 سنة) وبعدها يتخرجون ويدخلون إلى معاهد للتأهيل المهني من أجل تعليمهم مهنة تساعدهم على المواصلة والاستمرار في الحياة، ويحتاج المعوقون من هذا النوع وفي الفترة الحالية إلى نظرة عميقة وهي مسؤولية تقع على عاتق المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني".
من جهته يؤكد الباحث القضائي حسين الكعبي على "ضرورة احترام شريحة المعاقين ومن ذوي الاحتياجات الخاصة وأن لهم الحق في العيش باحترام بين الآخرين وكذلك الرعاية الصحية والاجتماعية والتعلّم قدر الإمكان وإن هنالك نسبة كبيرة من المعاقين لم تمنعهم أعاقتهم الجسدية من ممارسة الحياة الطبيعية والزواج والإنجاب والتملك".
ويضيف الكعبي، "اهتم الإسلام بشكل كبير بكل فئات المجتمع وحرص المسلمون على الرعاية الكاملة للضعفاء وذوي الاحتياجات الخاصة، وقد حرص القانون العراقي على تأمين الحق الكافي لشريحة المعاقين وكان منها بناء مراكز العوق العقلي والفيزياوي حيث استحدث هذا المركز بموجب المادة 15 من قانون الرعاية الاجتماعية لسنة 1980 وكان هدفه هو رعاية الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة والمصابين بالإعاقات الذهنية والنفسية والذين يعانون من حالات عقلية غير اعتيادية وحالات الاضطراب في السلوك".
|
|