قسم: 1 من 1 | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
البيان السنوي لسماحة المرجع المُدرّسي"دام ظله" لشهرمحرم الحرام و عاشوراء الإمام الحسين عليه السلام
الأمام الحسين عليه السلام.. قرآن ناطق ومسيرة إصلاح وراية وحدة ومدرسة حكمة وحماسة
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله بجميع محامده كلها على جميع نعمه كلها، وصلى الله على البشير النذير والسراج المنير محمد المصطفى وآله الهداة، مصابيح الدجى واعلام الورى.
السلام على سيد شهداء الحق، ابي عبد الله الحسين عليه السلام وعلى أخيه حامل لواء الفداء، أبي الفضل العباس عليه السلام، وعلى اله قادة الصدق، وأصحابه الامناء.
السلام عليكم أيها الموالون للحق المناصرون للنبي وأهل بيته ورحمة الله وبركاته.
لقد أقبل إلينا شهر محرم يحمل معه عبق الشهادة وذكرى العطاء العظيم من أجل الله سبحانه ودينه الحنيف ونشرت في بلادنا رايات الحزن الثائر، والبكاء الصامد، والالم المقدس. وتدفقت في شرايين المحبين، دماء متجددة تنبض بالعزم والتحدي والصبر والاستقامة. لقد دخلت امتنا الموالية لاهل البيت عليهم السلام في مدرسة الحماس والحكمة بكل طبقاتها وأجيالها تنفض عن نفسها غبار الكسل والغفلة وترتدي لباس التقوى والحزم، وينهض الجميع من أجل إقامة العدل ومقاومة طاغوت الظلم وجبت النفاق.
أيها الإخوة المؤمنون: إن امتنا التي تواجه اليوم تحديات كبيرة في كل حقل لا يمكن أن تتفوق عليها من دون توافر عاملي الحكمة والحماس. أما الحكمة فلكي تحدد لها معالم الطريق. وأما الحماس فلكي يزودها بالعزم للمضي قدماً على الطريقة والاستقامة عليها.ونهضة السبط الشهيد تورثها الحكمة والحماس معاً إن احسنت وعيها والاستفادة من عبرها.
معالم مدرسة الحكمة والحماس
كلمات السبط الشهيد، مدرسة جامعة للحكمة، كما كلمات والده أمير المؤمنين عليه السلام ويكفينا التأمل في دعائه الذي اطلقه ضارعاً في وادي عرفات، واننا لو قارنا لرأيناها هي والتي تجلت في يوم عاشوراء، أنها كانت واحدة سواءً في كلماته او في بطولاته. فلقد قال في يسار جبل الرحمة بعرفات وهو يخاطب الله سبحانه: ( أنت الذي أشْرَقْتَ الانوار في قلوب أوليائك حتى عرفوك ووحّدوك، وانت الذي أزَلْتَ الاغيار عن قلوب أحبائك حتى لم يحبوا سواك ولم يلجأوا الى غيرك، ثم قال: ماذا وجد من فقدك، وما الذي فقد من وجدك، لقد خاب من رضي دونك بدلا). وفي عصر عاشوراء وعلى بوغاء كربلاء رفع جبهته الدامية على حفنة من التراب والدم يسيل من مئات الجروح من جسده الشريف، وهو يقول: (الهي رضاً برضاك لا معبود سواك..). ولو نطقت دماؤه لكانت كل قطرة منها تسبِّح بحمد الله. وهكذا كانت مدرسته سلام الله عليه أعلى مدرسة عرفانية، لأن دروسها اُعطِيَت بالكلمة الصادقة، وبالجراح والدم، فهي مدرسة الحكمة والحماس معاً.
دماء الرضيع ترسم طريق الهدى
وعندما حمل الى السماء طفله الرضيع والدم يجري من مذبحه اللطيف كانت كلمته العرفانية تملأ اذن الخافقين:
(هَوَّنَ ما نزل بي أنّه بعين الله). إنّ هذه الكلمة وفي ذلك الموقف البطولي العظيم تعطينا الف درس و درساً في معرفة الرب سبحانه والتسليم له والرضا بقضائه، اليس كذلك؟
العباس عليه السلام معلم الحكمة
اما حامل لواء الوفاء، وقائد ركب الفضل والفداء العباس عليه السلام فان بطولاته العظيمة في ارض الطف تهدينا الى نفاذ بصيرته، ألا تسمعه حين تُقطع يده يُذكِّر بالله والدين والرسول واهل بيته حيث كان يرتجز قائلاً:
والله إن قطعتموا يميني اني احامي أبداً عن ديــني
وعن امام صادق اليقين نجل النبي الصادق الأمين
حقاً كان معلماً للأجيال دروس الحكمة والحماس معاً وحقاً نقف عند ضريحه لنقول: (أشهد لك بالتسليم والتصديق والوفاء والنصيحة لخلف النبي صلى الله عليه وآله المرسل والسبط المنتجب)
في نصرة الحق الموت احلى من العسل
إن مدرسة عاشوراْء حافلة بمعاني المعرفة كما هي حافلة ببطولات نادرة، الا ترى القاسم بن الحسن عليهما السلام ماذا يقول لعمه ليلة عاشوراء وقد سأله عن الموت، فقال: في نصرتك أحلى من العسل، وهل يحلو مذاق الموت حتى يصبح اشد من العسل الاّ في فم العارف بربه، الموقن بالآخرة وأنّ ما عند الله خير وأبقى؟. أما سليل الرسالة واشبه الناس خَلْقاً وخُلُقاً ومنطقاً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، اعني علياً الاكبر عليه السلام، فان كلماته الاخيرة عبرت وبصدق عن مدى عرفانه فلم يتفوه بكلمة آه وقد قطعه الاعداء إرباً إرباً بعد أن فلقوا هامته الشريفة، بل قال: (السلام عليك يا أبتاه، هذا جدي رسول الله قد سقاني شربة من الماء لن اظمأ بعدها أبداً).
رهبان الليل وفرسان النهار
وكما أبناء الرسول كذلك أنصارهم كانوا رهبان الليل وفرسان النهار فهذا حبيب بن مظاهر سلام الله عليه يصفه الامام الحسين عليه السلام : بانك رجل فاضل كنت تختم القرآن في ليلة. وقد بلغ حب السبط الشهيد بعابس ابن شبيب مدىً يخلع لامة حربه ويقتحم غمار الموت، فلما عاتبه البعض وسأله اجننت يا عابس؟ اجاب بلى حب الحسين أجنني. وذهب عابس الى ربه بذلك الحب الكبير لامامه ابي عبدالله الحسين عليه السلام، ليصبح قدوة في الفداء لحبيبه.
مسؤولية الناطقين باسم الحسين عليه السلام
أيها الموالون: مسؤوليتنا - نحن الموالين- للسبط الشهيد أن نتمثل مواقفه ونتعلم في مدرسته التي فيها اسمى مبادئ الحكمة وأروع معاني الحماس. وهكذا مسؤولية الناطقين باسم ابي عبد الله الحسين عليه السلام من العلماء والخطباء وكل من يقيم مأتماً ويحيي للامام الحسين شعيرة، ان يجاهدوا جميعاً من اجل الرقي بالامة الى حيث هذه المدرسة، لتردم الفجوة بين القول والفعل، بين المنهج والتطبيق، بين الحماس والحكمة.
لنعمل جميعاً من أجل تربية مجتمع حسيني ليس في الحب والولاء فقط وانما في الخلق والموقف ايضاً. ولا ريب ان أنصار الامام الشهيد عليه السلام وعبر أجيال متلاحقة قد أثبتوا انهم قادرون باذن الله سبحانه على الاقتباس من منهج السبط الشهيد، وما التضحيات الكبرى والبطولات العظمى التي نجدها في تاريخهم الحافل الا شعلة من ذلك النهج الوضاء. وما صمود امتنا المجيدة في العراق أمام موجات الارهاب وتحديها من قبل، ضد نظام الطاغوت، وبالتالي استعدادها لتقديم المزيد من اجل تحقيق أهدافها السامية في حياة طيبة تسودها قيم الوحي، ما كل ذلك الا دليل على صدق مواقفها ومقاربة ولائها مع مواقفها الرشيدة. بلى، ولكننا بحاجة الى المزيد، لأنّ التحديات لاتزال كبيرة والطريق الى الغايات السامية لايزال طويلاً.
ومن هنا فعلى من ينطق بإسم السبط الشهيد باية وسيلة أن يُبرز دور مدرسة السبط العرفانية وهدفها في تربية جيل حسيني بالولاء والتضحية، بالحماس والحكمة، لكي لا تواجهنا فتنة عمياء الاّ ونضيء طريقنا فيها ببصيرة عاشوراء الحسين عليه السلام، ولاتداخلنا حيرة الا ونبددها بكلمات السبط الشهيد. فإذا خُيّرنا بين الحق والمصلحة، بين السِّلّة والذلة، بين الآخرة والدنيا، اقتبسنا من كلمة الامام الحسين عليه السلام : (هيهات منّا الذلة)، نبراساً لدروبنا وعزماً لمسيرتنا.
كلمات مضيئة:
عَبَّرت كلمات الائمة المعصومين والعلماء الربانيين في زيارة الامام الحسين عليه السلام بأبهى منهج عن مدرسة عاشوراء الحكيمة، فعلينا أن نعايشها ونتأملها ونجعلها بصيرة حياتنا. فهذه زيارة وارث نقول فيها : (أشهد أنك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرتَ بالمعروف ونهيت عن المنكر وأطعت الله مخلصاً حتى أتاك اليقين). انها تعلمنا كيف نقتدي بالسبط الشهيد في طاعة ربه، باقامة الصلاة وايتاء الزكاة، وهكذا بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكيف نستقيم على الطريق حتى الموت.
وتلك زيارة عاشوراء، نقرأ في رائعة منها: (يا أبا عبد الله اني سلم لمن سالمكم، وحرب لمن حاربكم، موال لمن والاكم، معاد لمن عاداكم). إنّ هذه الكلمة الرائعة لو تحوَّلت الى سلوك، لوحَّدتنا تحت راية السبط الشهيد، ولانصهرت كل أحزابنا وتجمعاتنا وفئات مجتمعنا في بوتقة الولاء حتى نصبح كالبنيان المرصوص في مواجهة التحديات.
غاية الشعائر الحسينية واهداف الحزن والبكاء
يا أنصار السبط الشهيد: اننا حين نبكي على الامام الحسين عليه السلام او نقيم شعائر عاشوراء ليس فقط بهدف إظهار حزن مكبوت وإنما أيضاً لنزداد عزماً للأخذ بثأر إمامنا المظلوم والانتصار لدين الله الذي فدى بنفسه له. اننا لا نؤمن بما قاله النصارى في المسيح ابن مريم عليه السلام أنّه قُتِل - حسب زعمهم- ليفتدي بنفسه لهم، وزعموا أنّ لهم أنْ يقترفوا ما شاؤوا إعتماداً على فداء نبيهم لهم، كلا اننا نؤمن بان الحسين بن علي عليهما السلام إمام مفترض الطاعة، نقتدي به في كل صغيرة وكبيرة حتى يكون شفيعنا يوم القيامة.
اننا لانقول لإمامنا عليه السلام ومن هو في خطه: إذهب انت وربك فقاتلا،.. كلا اننا نقول له : ( لبيك داعي الله. إن كان لم يجبك بدني عند استغاثتك ولساني عند استنصارك فقد اجابك قلبي وسمعي وبصري. سبحان ربنا ان كان وعد ربنا لمفعولا). إنّ كل خلية من أجسامنا تقول لسيد شباب أهل الجنة ومصباح الهدى وسفينة النجاة تقول له : لبيك داعي الله.. لبيك داعي الله. وهكذا على الاخوان المؤمنين أن يتوكلوا على الله سبحانه ويجعلوا من عاشوراء هذا العام فرصة للتقرب الى الله والاقتداء بالامام الحسين عليه السلام .
واسأل العلي القدير أن يجعل الوصايا التالية نافعة في هذا الطريق.
الامام الحسين عليه السلام والقرآن الكريم
1ـ الامام الحسين عليه السلام كان القرآن الناطق، كان خلقه القرآن، ولم يكن قيامه، وشهادته، ومسيرته الا تعبيراً عن آيات الذكر الحكيم، فمن أحبّه عليه أن يجعل كتاب ربه أنيسه في حياته ومنهج تفكيره، ومرجعيته في حيرته.
الامام الحسين عليه السلام راية وحدة
2ـ الامام الحسين عليه السلام هو الحبل الالهي المتين، فمن أحبه جعله مستمسك وحدته، ومحور إنتمائه، ومنطلق حركته، وعلينا أن نجعل مجتمعنا ذا صبغة حسينية، بأن ينتمي كل منا الى هيئة دينية تتشرف باسمه وتعمل لاهدافه، لنكون بإذن الله من أنصاره عند الله ومن راكبي سفينته الأسرع والأوسع. اننا وفي كل مناسبة حسينية وعند زيارة مرقده الشريف نتمنى لو كنا معه لنحظى بشفاعته وننتصرله باجسامنا كما فعل الشهداء من أنصاره، فهل فاتت الفرصة علينا؟ كلا.. انك تستطيع أنْ تُسجِّل الآن اسمك في قائمة أنصاره لو انتصرتَ لدينه، افلا تريد ذلك ؟ بلى كلنا نريد ذلك.
الامام الحسين عليه السلام مسيرة اصلاح
3ـ ماذا لو افترضنا أن مجتمعنا انتمى فعلاً الى ركب الامام الحسين عليه السلام؟ أولسنا نكون - يومئذ- في سكينة قلبية بأننا لسنا ممن خذلوا السبط الشهيد، بل ونطمئن أنّ مجتمعنا سوف لا يعذبه الله، لماذا؟. لأن الله لايهلك قرية اذا كان اهلها مصلحين كما قال تعالى :{وَ ما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَ أَهْلُها مُصْلِحُونَ{.
لو قمنا جميعاً بمسؤولياتنا في الاصلاح لَغَلَبْنا الاعداء. فعلى كل واحد منا أن يبذل كل ما في وسعه من اجل اصلاح مجتمعه بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر وإغاثة الملهوف، وإعانة المظلوم، وهكذا مواجهة الظالم أنّى كان، والدفاع عن الحق.
الامام الحسين عليه السلام ومسؤولية الخطباء
4ـ وهكذا كان على خطباء المنبر الحسيني والناطقين باسم نهضته المقدسة أن يتمثلوا وهم على منصة الوعظ دور انصار السبط الشهيد في إلقاء الكلمة الصادقة، والدعوة الى ما دعا اليه الامام الحسين عليه السلام دون ان تأخذهم في الله لومة لائم.
مسؤولية الهيئات الحسينية
5ـ إنني اوصي اخوتي في الهيئات الحسينية أن يضعوا لانفسهم خطة متكاملة ليصبحوا من أنصار الامام الحسين عليه السلام فكراً وسلوكاً وذلك باتباع المنهج التالي:
أولاً: الثقافة الحسينية
ينبغي ان تضع كل هيئة لابنائها منهجاً لدراسة ثقافة السبط الشهيد المتمثلة في التدبر في القرآن، ودراسة الفقه، وقراءة سيرة النبي واهل بيته عليه وعليهم السلام، وبالذات سيرة السبط الشهيد وذلك بتحديد ما لا يقل عن ثلاثة ايام في الاسبوع للدراسة الدينية وذلك عند أحد العلماء الكرام او بمدارسة كتب معينة.
ثانياً: الخلق الكريم
كان انصار الامام الحسين عليه السلام في قمة الخُلق الكريم وينبغي لمن يتمثل دورهم ان يرتقي الى كمال خُلقهم بالتواضع وتجنّب التعالي على بعضهم أو التحامل عليه بعصبية أو حمية أو .. وهكذا عليهم الالتزام بالتواصي بالحق والصبر والتعاون على البر والتقوى.
ثالثاً: الاصلاح
لقد كان قيام الامام الحسين عليه السلام من أجل الاصلاح والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وهكذا انصاره. ومن هنا ينبغي لكل هيئة حسينية ان تعمل جاهدة من أجل تمثّل هذا الدور بالسعي من أجل إصلاح المجتمع من كل عوامل الفساد واسباب التفرقة ومن الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
رابعاً: المسارعة الى الخيرات
على كل هيئة حسينية ان تعمل من أجل مساعدة الفقراء واليتامى وبناء دور العبادة، والمساهمة في بناء المراكز الصحية، والمعاهد والمدارس والجامعات وبالتالي كل ما يساهم في تطوير المجتمع حسب حاجة كل مجتمع وبالقدر المستطاع.
أيها الاخوة: إن الارتفاع الى مستوى نصرة الدين، والانتماء الى خط السبط الشهيد هدف عظيم لكل موالٍ، تعالوا نعمل جاهدين من أجل ذلك بالتوكل على الله سبحانه لِنُحشَر إن شاء الله في زمرة انصار السبط الشهيد، ولا حول ولا قوة الا بالله.
كربلاء المقدسة ـ محمد تقي المُدرسي ـ 1 محرم الحرام 1431 هـ