قصة حياة طاغية
|
*طاهر القزويني
هل تريد أن تعرف خاتمة حياتك ماذا ستكون؟! كم ستدفع من المال لتعرف هذا الشيء؟!
القرآن الكريم يعرض النماذج الرئيسة لسيرة حياة الناس، حتى عندما تقرأ تلك الآيات وكأنها تخبرك عن حال ذلك الشخص الذي كان يسمى (صدام) وحكم العراق لفترة طويلة من الزمن.
كان بامكان صدام أن يقرأ حياته من خلال القرآن الكريم، وكان بمقدوره أن يتعرف على ذاته، وعلى خاتمة أمره من خلال كتاب الله المجيد، لأن القرآن يتحدث وبشكل دقيق عن أصناف الناس ومنهم الطغاة والمتجبرين، وكيف يتحولون من صورة إلى صورة أخرى ومن حال إلى حال آخر، وكيف أن الجرائم التي يرتكبونها تتحول إلى طبع فيهم ثم إلى عناد واستكبار.
ولو كان صدام قد قرأ القران – قبل أن يصل الى المصير المحتوم- لعرف مصيره المكتوب بوضوح، فقد ذكر الله سبحانه وتعالى حال الجبارين وتحدث عن مآلهم وقال، "وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ" (إبراهيم/15).
لقد تحدث الله سبحانه عن مصير أولئك الجبارين وذكر أن الخيبة ستكون خاتمة أعمالهم، وهي الحرمان وعدم نيل المطالب والخسران، فهل كان صدام يعرف أن مصيره سيكون الخسران؟
لقد ركزنا كثيراً على الطاغية البائد صدام وموضوع الجبارين فهو موضوع عام وآياته تشمل فئات كثيرة من الناس حتى وإن لم يكونوا حاكمين، فالجبار ليس بالضرورة هو السلطان وإنما هو شخص امتزجت طينته بالعناد والعصيان مع الاستكبار على الله وعلى خلقه، وهو قد يكون شخصاً عادياً يمشي بين الناس في الأسواق، وربما كان عاملاً أو فلاحاً أو صناعياً أو من أية فئة من أصناف الناس.
المهم أن لا نظن خطأً بأن الجبارين هم فقط الحكام والسلاطين، وإنما هذه الصفة قد تصدق على أناس ليسوا في عالم السياسة، فربما يكون الجبار جباراً في اسرته عندما يظلمها، ويكون جباراً في محلته عندما يتسبب بالأذى الفاحش لجيرانه وأهل محلته، ويكون جباراً في مدينته عندما يرتكب الظلم بحق أهل مدينته.
ولقد سمعنا بكثير من القصص المؤلمة عن أشخاص مجرمين ودمويين كانوا يقطعون رؤوس الناس ويخفونها في المزارع والأراضي الجرداء، وكذلك أولئك الأشخاص الذين يقومون باختطاف الأطفال والنساء ويطالبون بالفدية مقابل ذلك، فهؤلاء لايقلون جبروتاً وطغياناً من ذلك الطاغية البائد، ولابد أنهم سيحشرون في مكان واحد في قعر جهنم.
والقرآن الكريم يعرض التسلسل الموضوعي للتحولات النفسية التي تجري على هؤلاء وقضية تحولهم من أفراد عاديين إلى أناس متجبرين وطغاة قد نزعت الرحمة من قلوبهم وامتلأت أفكارهم بصور بشعة من القتل والذبح والتعذيب.
في (أساس البلاغة) القلب الجبار: هو الذي لايقبل الموعظة، فهؤلاء وصلوا إلى مرحلة الطبع الذي ذكرها القرآن الكريم "كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ" (غافر/ 35) فهؤلاء لايرون النور الساطع ولايرون حقائق الإيمان، بل نتيجة الطبع الذي هم فيه قد يفسرون الأشياء بالمقلوب، فيرون النور ظلاماً والظلام نوراً، ويحوّلون الرحمة إلى نقمة وعذاب، فهم يفسرون الأشياء حسب آرائهم ومواقفهم وأهوائهم وليست كما أرادها الله عزوجل، وهذا أعظم إستكبار، بأن يقول الله شيئاً وهو يقول شيئاً آخراً، بمعنى أن يضع نفسه مفسراً ومؤوّلاً لكلام الله عزوجل من دون علم أو فقه وقد جاء في القرآن الكريم "الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ" (غافر/ 35).
وفئة من الناس يتبعون خطوات الجبارين وقد ضرب الله عزوجل لنا مثلاً في هؤلاء الناس من الأقوام السابقة وهم قوم عاد و وصف حالهم بقوله عزوجل "وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ" (هود/ 59).
فهؤلاء إتبعوا رؤساءهم وزعماءهم المتجبرين ولايعلمون أن مصير هؤلاء سيكون الخسران المبين، لكنهم استرسلوا بذنوبهم والتي يحصلون عليها من هؤلاء الزعماء فقادوهم إلى العذاب في الدنيا والآخرة.
لقد أنزل الله سبحانه العذاب على الجميع من القادة والعامة، "وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ" (هود/ 60) وفي هذه القصة عبرة لكل الأمم عبر التاريخ ومنها تشمل المسلمين، بإنه إذا ظهر فيهم أشخاص جبارون كزعماء عاد، أو كالطاغية صدام فإنه لايجوز لهم إتباعه، لأنهم لو اتبعوه فإنه سيقودهم في الدنيا إلى الخيبة والخسران وفي الآخرة العذاب الأليم.
ولن تتوقف الحياة إذا تراجعت أمة عن المضي في درب النور والهداية، لأن الله سبحانه وتعالى سيستبدلها بأمة أخرى تكون أفضل منها وأكثر خيراً ورشاداً "فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ" (هود/ 57).
إن أمة الخير هي التي تصنع الزعامات الراشدة والقيادات الكفوءة التي تكون في خدمة شعبها، أما أمة التيه والضلالة فإنها تصنع الزعامات الضالة والمتجبرة التي تقود البلاد إلى حيث الدمار، فالإيمان هو الذي يلين القلوب القاسية ويجعل طعم الحياة طعماً مستساغاً، فالكفر طعمه العلقم ويقسي القلوب إلى أن تصبح حجراً.
2 / نفسه، ج 6 ـ ص 322
3 / نفسه ج8 ـ ص169
4 / عرض هذه الأفكار في تفسيره لسورة غافر، الآية 25 و26 ـ ج8، ص 225
5 / من هدى القرآن، ج10 ـ ص350
---------------
------------------------------------------------------------
---------------
------------------------------------------------------------
1
|
|