استلام (حصّة) فضائح....!
|
*محمد علي جواد تقي
من المفترض ان يتوقع العراقيون من الانسحاب الامريكي الكامل نهاية هذا الشهر، حصول تغيير ملحوظ على الصعيد الاقتصادي والخدمي والامني بما ينعكس على الواقع المعيشي للمواطن، لكن تبين ان الهمّ السياسي ما يزال طاغياً على عموم الساحة العراقية، ومن هو خارج العراق ويتابع توارد الاخبار والتقارير عن الحرب الكلامية بين هذه الفئة السياسية وتلك، يخال أن الطبقة السياسية الحاكمة بلغت مرحلة متقدمة في بناء الدولة المتماسكة، حيث لا ثغرات دستورية ولا مخالفات او تجاوزات من هذا وذاك، ولا فساد مالي واداري، فاذا يُدان – مثلاً- نائب رئيس الجمهورية او حتى غيره من النخبة السياسية الحاكمة، فهذا يجب ان يوحي لكل متابع، بعدم وجود موظفين عاديين في الدولة متورطين في جرائم مختلفة، او لنقل هنالك نسبة ضئيلة من المخالفات والتجاوزات. لكن أن يستمرئ المواطن العراقي (الفضائح السياسية) لهذا المسؤول او ذاك، فهذا بمعنى انه امام صورة اخرى لـ (العملية السياسية) التي شارك في انجاحها بامتياز واراد منها ان تحوّل مجمل الاوضاع في العراق من حال الى آخر بعد عهد الحروب والنكبات والهزائم. لكن يبدو انه اليوم مطالب بالمشاركة في حروب جديدة ساحتها وسائل الاعلام، وبالاستفادة من تطور وسائل الاتصال، ولا ضير من إعطاء وسائل الاعلام لاسيما المرئية منها فرصة للتحرك والنشاط في ظل اجواء الحرية.
فاذا اقررنا بصحة الاعترافات التي تدين طارق الهاشمي وانه وراء عمليات ارهابية عديدة وسفك لدماء الابرياء، فما الفائدة النفسية التي تتركها هذه الاعترافات على المواطن العراقي الذي يجلس مساءً ويتابع اخبار بلده من القنوات الفضائية؟ وهل ثم نسبة بين التأثير النفسي لاعتراف افراد حمايته وبين اعتقال الهاشمي نفسه و زجه في السجن وإلقاء كل الادلة والوثائق في وجهه؟ وهل نسينا كيف حاكمنا صدام واعوانه ...؟! ان الدلائل والبراهين القاطعة هي التي جرت صدام وغيره الى قاعة المحكمة، يبقى الفارق بين حجم جرائم صدام وابعادها، والجرائم التي ارتكبها السياسيون الحاكمون في الوقت الحاضر من امثال الهاشمي وقبله الدليمي وغيره كثير.
ان القاء القبض على طارق الهاشمي وكل من تلطخت يده بدماء الابرياء، هو مطلبٌ جماهيري دون شك، كما طالبت الجماهير قبل ذلك بالقاء القبض على (الدايني) و (الشيخ ناصر الجنابي) و (الدليمي) وغيرهم قبل ان يفروا بجلدهم خارج البلاد. لكن كما يقال (العبرة بالنتائج)، فاذا كانت النتيجة، تحقيق العدالة وانصاف المظلومين والضحايا، ورفع خطوة جديدة نحو بناء دولة المؤسسات واحترام حقوق الانسان، فان محاكمة الهاشمي بما ثبت عليه والحكم عليه بالاعدام سيكون أمراً مقبولاً ليس فقط داخلياً ، بل حتى خارجياً، وإلا ما معنى ان يواصل المتهم والمدان اجتماعاته الروتينية كنائب لرئيس الجمهورية وكأن شيئاً لم يكن؟ بينما تحاول وسائل الاعلام من خلال التعبئة والفبركة الدفع نحو حصول حادث هروب الهاشمي او تهريبه خارج العراق ليتخلص من التهم وغير ذلك، ولا من مطالب بالقاء القبض عليه وإنهاء المشكلة.
خلال السنوات التي شهد فيها العراق نظام الشراكة السياسية، كم من مسؤول في الدولة ظهرت من تحت عباءته المفخخات والمسدسات وحتى سيوف الذباحين...؟! لنتذكر قصة الهاشمي هذا مع الصحفية الامريكية (جل كارول) التي اختطفتها الجماعات الارهابية، ثم أفرج عنها بأعجوبة بوساطة الحزب الاسلامي الذي كان يتزعمه طارق الهاشمي عام 2006، علماً ان حملة الاختطافات آنذاك كانت تتسم بالدموية والتصفية السريعة. والمثير ان هذه الوساطة كانت باكورة تسلمه لمنصب نائب رئيس الجمهورية! وقد ظهر في وسائل الاعلام حينها باسماً في صور تذكارية مع الصحفية الامريكية وهي ترتدي الحجاب وتتسلم نسخة من القرآن الكريم من يد الهاشمي. فاين التحقيقات والتحريات الامنية عن قنوات اتصاله مع تلك الجماعة الارهابية وعلاقته بها؟ واين الاهتمام الاعلامي بالموضوع؟
نطالب بتطبيق العدالة ومقاضاة كل الجناة الذين تلطخت ايديهم بدماء ابناء الشعب العراقي، ونطالب ايضاً ان يبقى المواطن بعيداً عن الشدّ والجذب والملاسنات بين المتحاورين والمتحاورات، على الاقل حتى لا ينتقل اليه الاحباط ولا تزكم أنفه روائح الافرازات القبيحة لبعض سماسرة السياسة الذين يتقنون فن الضحك وتبادل الاحاديث كما يتقنون فن التهجم وتبادل الاتهامات أمام عدسات الكاميرات، لكنهم يفشلون ويسقطون امام حاجات الناس البسيطة، فمن المخجل حقاً ان يرى كل هذه الفضائح والاسقاطات التلميذ الصغير والشيخ الكبير والمرأة المطالبة بمراقبة الماء والكهرباء لديها، والرجل الذي يبحث عن وسيلة لسد الحاجات اليومية لعائلته وحتى ما تبقى من (الحصة التموينية).
|
|