أسماء الله الحسنى .. الطريق الى السماء
|
*كريم محمد
من اهم تجليات القرآن الكريم هي اسماء الله الحسنى، جاء في الآية الكريمة: "وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (الاعراف /180).
هنا نطرح عدة تساؤلات:
أولاً: ما هو معنى الإسم، وماذا يعني اسماء الله؟
ثانياً: نجد ان كثيرا من الآيات القرآنية الكريمة تنتهي باسماء الله الحسنى فكيف نستفيد من هذه الآيات ومن الامثلة التي جاءت فيها من جهة، ومن الاسماء الحسنى من جهة اخرى؟
ثالثا: ربنا يأمرنا ان ندعوه باسمائه الحسنى، فكيف يمكن ان ندعوه بها حتى يستجيب لنا؟
في الاجابة على السؤال الاول؛ ان اللغة العربية هي اساس اللغات وهي لغة الهية، وكل اللغات انما هي تشعبات منها، وهي لغة اهل الجنة كما جاء في الرواية، لكن العرب حينما كانوا يعيشون في الصحراء لم يحتك الواحد منهم الا بالاجواء القاسية وما يتعلق بها من الرمال والجمال وغير ذلك، لذلك نجد ان العرب كانوا يعبّرون ويفسّرون الكثير من الكلمات عبر جمالهم وابلهم لأنهم كانوا في احتكاك دائم معها وهي كانت راحلتهم في السفر وطعامهم في الحضر، فكانوا يهتمون بها اشد الاهتمام.
ومما يفسرون به عبر جمالهم وابلهم مفردة الإسم. ففي سابق العهد ولكي لا تختلط الإبل المملوكة لاشخاص مختلفين كانوا يسمونها (أوسمة) أي يجعلون لها علامة. فالوسم هو علامة خاصة لكل فرد يميز عن طريقها ما يملك من الدواب اذا اختلط بغيره. ومن هنا جاءت كلمة الـ(الإسم). كذلك اسماء البشر والحيوانات هي بمثابة علائم خاصة يميز به كل شخص عن الاخر وكل حيوان عن نظيره. فالأصل هو (وَسَم) انقلبت الواو همزة، فالإسم بمعنى العلامة، وهي ما ترشدنا الى حقيقة معينة، فعلائم المرور ترشدنا الى المكان المعين، وعلائم المرض ترشدنا الى حقيقة وجود المرض ونوعه. واذا تمعنا النظر في هذا الكون الرحيب نجد ان لكل ظاهرة ولكل حدث علامة بل علائم تدل عليه وترشدنا الى حقيقته.
اذا عرفنا ذلك نرجع الى السؤال الأساس: ما هو معنى اسماء الله؟
أن لله سبحانه آيات و اسماء. فآيات الله هي افعال الله ومخلوقاته التي تدلان عليه، فالشمس والقمر والليل والنهار كلها آيات الله: "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ" (آل عمران: 190). أما اسماء الله فهي صفات تدل عليها الآيات، فالـ(رحمن) صفة تدل عليه آيات الخلقة كلها والـ(عزيز) صفة تشاهد في كل ذرة من ذرات الخلقة، وهي – اي اسماء الله – كثيرة بحيث ان الله يخاطب نبيه قائلا: "قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا" (الكهف /109)، اما صفات الله فهي حقائق خلق الله بها الخلائق، فاذا نظرنا الى الخلق فوجدنا فيه جلالا و عظمة، عرفنا ان الله جليل وعظيم. واذا وجدنا فيه القدرة عرفنا ان الله قادر مقتدر، فبرحمته خلق الكون وبقدرته فطره.
لكن بعد الاسماء فلا تستطيع عقولنا ان تفهمه. فعلمنا بالاشياء لا يكون الا عبر الوسائط، فالرؤية مثلا معناها ان يسقط الضوء على الجبل ثم ينعكس الى العين فنرى الجبل. كذلك اللمس والشم والتذوق، كلها معرفة عبر واسطة، نعرف الامور عبر هذه الوسائط بعلائمها و صفاتها، اما ان نعرف حقيقة الامور وجوهرها فذلك بحث اخر، فنحن عبر العين المجردة لا يمكننا ان نعرف حقيقة الجبل، وان عرفنا صفاته الا ان الحقيقة شيء والصفات شيء اخر.
وهذا هو بالنسبة الى الله سبحانه وتعالى، فاعظم ما نصل اليه من درجات المعرفة ان نعرف اسماء الله. فاذن لله آيات تدل عليه وعلى صفاته وهي اسماء الله.
و من جانب اخر فان الرسول صلى الله عليه وآله واهل بيته عليهم السلام هم اسماء الله الحسنى. فلا يختلف ان تقول: (اللهم اني اسألك برحمتك التي وسعت كل شيء)، او تقول: (اللهم اني اسألك بنبيك نبي الرحمة)، فالنبي تجلٍ للرحمة الالهية وهو القائل: (انما انا رحمة مهداة) ولذلك في ليلة القدر ندعو الله باسمائه الحسنى عبر دعاء (الجوشن الكبير)، و ندعوه بالمعصومين عليهم السلام، فالأمر واحد.
اما للاجابة على السؤال الثاني فلابد من القول: ان القرآن الكريم الكريم حينما يريد ان يبين حقيقة معينة، فغالبا ما يبينها عبر مثال و قصة تاريخية، وهو ما نسميه في اللغة العربية (اعطاء الحُكم بالمثال). و اكثر ابحاث القرآن الكريم امثال و وقائع تنتهي ببيان الاحكام والحقائق. فمثلا في سورة الشمس نقرأ: "قد افلح من زكاها و قد خاب من دساها" (الشمس /9-10)، ثم لبيان هذه الحقيقة و توضيحها يضرب لنا مثالا تاريخيا – و ان لم يذكر ذلك – قائلا: "كذبت ثمود بطغواها * اذ انبعث اشقاها * فقال لهم رسول الله ناقة الله و سقياها * فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها * ولا يخاف عقباها"، إذن؛ لبيان حقيقة (خاب من دساها)، ذكر الله تعالى قصة عاقر ناقة صالح وقومه وكيف دمدم عليهم ربهم العذاب و انهاهم.
و في غالبية الآيات القرآنية الكريمة يضرب لنا الله سبحانه وتعالى مثلا ثم يذكر اسماً من اسمائه في نهاية الآية، فكأن الآية والمثال تطبيق عملي ومثال واقعي وحكم لهذا الاسم الالهي. لذا علينا ان نقرأ الآيات قرائتين، تارة من اولها الى آخرها و تارة من آخرها الى أولها. لأن الاسماء الالهية هي الغاية او كما يسميها الفلاسفة (العلة الغائية) من الآية وهي الاساس.
و كمثال على هذا الامر يروى ان اعرابيا سمع قارئاً يقرأ الآية المباركة: "وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" فاستنكر الاعرابي - وهو الذي لم يكن يعرف من القرآن الكريم شيئا- هذه القراءة على الرجل، فقال الرجل القارئ للقرآن لذلك الاعرابي: نعم... بعزته اخذها وبحكمته قطعها. فاسماء الله جاءت متناغمة مع الاحكام المذكورة في الآية. من هنا علينا ان نتأمل خواتيم الآيات فحينما نقرأ الآيات لابد ان ننتبه الى نهاياتها، فمحتوى الآيات يُلخص في نهاياتها و في اسماء الله الحسنى.
لكن ما هي وظيفتنا تجاه اسماء الله الحسنى؟
اولا: يجب ان نؤمن بجميع اسمائه الحسنى، فبنو أمية صرفوا الاموال الطائلة من بيت مال المسلمين لكي يحذفوا أعظم آية في القرآن الكريم وهي (بسم الله الرحمن الرحيم) فهم والكفار من قبلهم اشكلوا على صفة الرحمانية: "وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا" (الفرقان /60)، فهم يرون ان الله -سبحانه وتعالى عن ذلك – لا يمتلك الا البطش و القوة، وانه يضرب بيد من حديد كل من يعارضه ولا يرحم. وفي الحقيقة هم الذين فعلوا ذلك ونفوا صفة الرحمة عنه تعالى لكي لا يطالبهم أحد وهم الملوك الظالمون بالرحمة. كذلك اليهود ايضا تصوروا الله بهذه الصفة. ومع الاسف الشديد فان هذه المؤامرة نجحت قليلا والى يومنا هذا، فان قسما من المسلمين لا يقرؤون هذه الآية العظيمة. لذلك أمرنا الائمة عليهم السلام بأن نجهر بهذه الآية، فيقول الامام العسكري عليه السلام ان من علائم المؤمن: (الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم).
ثانياً: اعتماد اسمائه وآياته طريقاً اليه تعالى، فعبر الدعاء و التأمل في فقراته لابد ان نجد صفات الله وجداناً. وهو مصداق الآية الكريمة التي صدرنا بها الحديث، وبذلك نعطي درساً كبيراً لكل من يتصور ان اتباع أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله يدعون من دون الله. إنما هم عليهم السلام أول من يدعون باسماء الله الحسنى ويعلمون الناس هذا الطريق المضيء نحو الله.
|
|