تحت الضوء
ثقافة أمنية
|
*محمد علي جواد تقي
اهتز جدار الأمن في كربلاء المقدسة مرة أخرى، وتناثرت أشلاء الزائرين والمواطنين والبائعين على الأرصفة، وتناثر الحطام، ثم نجمع الركام والحطام، ونغسل الأرض من آثار الدماء ونجمع الاحذية وحاجيات الناس من على الارض لتعود المنطقة الى سابق عهدها، ويعود الناس الى حياتهم العادية، وكل ذلك أمر لابد منه، لكن ألا من عبرة...؟
ذكرنا في مقال سابق في هذا الحيز أنه لا يجب ولا يجوز أن نمر على الكوارث والمآسي مرور الكرام، والخطاب موجه ليس فقط الى الاجهزة الأمنية فهي ليست بحاجة الى توصية أو تذكير، إنما موجه الى جميع المواطنين.
سُئل مواطن في إحدى مناطق بغداد بعد يوم واحد من تعرضها للانفجار وكان يعيد تصفيف قوالب الصابون فوق بعض بشكل هندسي جذّاب: ألا تخشى حدوث انفجار آخر يعصف بك وببضاعتك؟ قال على الفور: أريد أن أعيش...!
نعم، الجميع يريد العيش عندما يخرج من الساعات الأولى من الصباح وحتى يعود الى بيته وعائلته، وهذا المطلب موجود أيضاً في أذهان نواب البرلمان وأعضاء حكومتنا المنتخبة وجميع أفراد المجتمع بمختلف شرائحه، لكن ربما لم تسنح الفرصة يوماً لأن يبوحوا بذلك، كما أفصح ذلك المواطن بعفوية، لكن الى جانب ذلك علينا أن نعرف كيف يتحقق الأمن؟ وليس فقط ننظر ونراقب من الذي يحقق الأمن؟
أعتقد جزماً إن السنوات الماضية كافية لنا بان نكون أمام الحقيقة.. فلابد من المشاركة في تحقيق الأمن على الأرض، وربّ سائل أو معترض يسأل؛ وما هو دور وزارة الداخلية والاجهزة الأمنية وأين أموال العراق الهائلة و...؟ نعم، هناك مسؤولون بالفعل على الساحة، وهم لا ينكرون بل يؤكدون وجودهم في بناياتهم وسياراتهم المتنوعة وأسلحتهم وأجهزتهم المتطورة، لكن كما عرف الجميع بان أموال العراق وثرواته ليست بيد جهة أو مؤسسة واضحة في الدولة، فانه لن توجد جهة محددة تحمل على عاتقها تحقيق الأمن، وليس أدلّ على ذلك، (القوانة) الجديدة التي بدأت بالعمل منذ فترة، (التجاذبات السياسية) هي المسؤولة عن تردي الواقع الأمني، لتحلّ محل الأرهاب والقادمين من وراء الحدود، ثم إن الرئيس الامريكي السابق جورج بوش قالها ذات مرة بانه وحتى وان تم بشكل كامل إخراج جميع الارهابيين الاجانب من العراق فان الأمن لن يعود كاملةً الى العراق، طبعاً هو من خلال هذا الكلام لتقويم فكرة الانسحاب العسكري في العراق، وإذن، فلا أمناً مطلقاً للعراق على الأقل خلال الأمد المنظور.
هذا الكلام، يعني الدعوة لتحمل المسؤولية ويعني أن نشك في كل شيء، ونتحقق من كل شيء، والحمد لله نجد بوادر ثقافة كهذه عند بعض الناس في الطرقات وعلى متن الحافلات الصغيرة والكبيرة وفي الاسواق، فهذا هو قدر العراق الجديد، ففي السابق كانت اليقظة والحيطة من قبل شخص واحد فقط لأنه يريد ديمومة حكمة وسلطانه، أما اليوم فلا يوجد شخص واحد لهذا الطموح، والمضحك المبكي أن جيراننا أيضاً شاركونا هذا الطموح! مما يعني أننا مدعوون لأن نتسلح بالثقافة الأمنية كما تتسلح الأجهزة الامنية بالمعدات العسكرية والمخابراتية المتطورة، وأينما كنّا، سواء في الأزقة القديمة والضيقة في مدننا وبالذات كربلاء المقدسة، أو في الأسواق والمرآب والأماكن العامة، بل حتى في البيوت القديمة التي تضم بين جنباتها (السراديب) التي غاب عنها النور كما في السابق، فلا ندع مكاناً يمكن أن يشكل خرقاً تنفذ منه جرذان الارهاب وتقضم من نبنيه من حياة هانئة، ولعلنا بذلك نوجد حالة من التظافر بين الجهود الحكومية والجهود الجماهيرية لنسقط بعض الحجج والذرائع التي تساق نحو كل خرق أمني أو كارثة مدمرة.
|
|