بين تخمة (المعدة) وبريق (الشاشة)
تحرص على عائلتك ؟.. إذن لماذا تفتح بيتك للسارقين !؟
|
يقول أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام : (عجبت لإبن آدم كيف يفكر بمأكوله ولا يفكر بمعقوله !؟ ).
هل يسمح احدنا بجعل باب بيته مفتوحا امام السرّاق لكي يتمكنوا من دخوله خلسة وسرقة اموال و ومحتويات المنزل الثمينة ؟. الجواب بكل تأكيد وبداهة، كلا ، و لا ،و (نو) و (نه) و و ( نهي) ، وكل ماتبقى من مفردات النفي في لغاات البشر.. فلا يسمح بذلك ولا حتى مجنون.. ولكن، ترى كيف ولماذا يسمح بذلك من يفترض بهم العقل؟!، الآباء والأمهات، ومن يأتي بعدهم من اولياء الامور.. كيف يسمحوا بأن يفتحوا ابواب بيوتهم وحصون عوائلهم امام اسوء واخطر السرّاق؟.. ويجعلوا من ابنائهم وعوائلهم صيدا سهلا وفريسة لهذه السرقات؟.
انهم يسرقون العوائل والابناء، اولاداً وبناتاً، يسرقون عفتهم وحياءهم وحصنهم الاجتماعي وعقولهم، ويلوثونها بثقافة الميوعة والانحلال من القيم . والاغرب أن تتم هذه السرقة في وضح النهار فضلا عن ساعات الليل، والاعجب أن تتكثف وتتميز وتزاداد هذه السرقات والمصائد الشيطانية في شهر رمضان، تحت يافطة الفن والدراما والغناء وبرامح التسلية والمسابقات،والمسلسلات.. حتى غد شهر رمضان عند الكثيرين موسم السهر على مشاهدة برامج التسلية المجة التي تعتمد لاسيما في بعض الفضائيات العراقية المعروفة ،على اجواء جنونية من اجساد النساء والرقص والموسيقى. ثم المسلسلات العربية والمدبلجة الهابطة التي تشجع على الجريمة و المجون والخمر والزنا والعلاقات غير الشرعية خارج نطاق الزوجية ، وتُهوّن من وقوع ذلك في العائلة والمجتمع وتصور كل ذلك على انه من التحضر والتقدم.
لايُعلم بالدقة مقدار الاموال التي انفقها تجار رمضان من شياطين الأنس لغرض انتاج هذه المسلسلات والبرامج لرمضان الحالي، ولكن المختصين يؤشرون الى مبالغ بمئات ملايين الدولارات للمسلسلات وحدها، وفي رصده للنتاج الدرامي المصري في رمصان الماضي فقط يؤكد الناقد محمد قناوي أن عدد ما أنتجته "الاستوديوهات المصرية ما يزيد على 56 مسلسلا بميزانيات تزيد على 150 مليون دولار، وهو رقم مخيف مقارنة بالظروف الاقتصادية والاجتماعية العربية الراهنة"
ان معظم مايسمى بالفن العربي والمدبلج( مسلسلات وافلام) بلا فائدة، وأن المال الذي ينفق عليها مُهدر ولا يستفيد منه إلا عدد محدود من المنتجين والممثلين والممثلات، وأن هذه الدراما التلفزيونية باتت للاسف طقسا رمضانيا .ويقول الناقد المصري أشرف البيومي: "مع الأسف لا تقدم الأعمال التلفزيونية ما ينتظره الجمهور من تثقيف وتوعية، ويقتصر الأمر على التسلية فقط بل ربما يتجاوزها إلى الإفساد بالتركيز على العري والخمور والمخدرات". اما الناقد شريف عوض فيقول أن "المنتجين والكتاب والمخرجين أنفسهم انغمسوا في الأداء المستهلك الذي تتحكم فيه شركات الإعلان".
ولو تمعن احدنا في قراءة خاطفة حول هذه البرامج والمسلسلات لعرف المنزلق الذي تجرفنا إليه في غياب الوعي العقلي والحضور القلبي، حيث تبدوا وكأنها مخطط إعلامي مدروس يعمل على تفريغ هذا الشهر من محتواه الروحي وتعبئته بأجواء وزخارف مادية بحتة (مسلسلات، طبخ، حلويات، عروض أزياء، مسابقات، جوائز، كرنفال يدهش الناس..). وهذا الكم الهائل من المسلسلات التي تستبطن مفاهيم اجتماعية هدامة تعمل على تغذية فكر المشاهد بقيم فاسدة أو قضايا استهلاكية .. واغلب المسلسلات وصلت إلى درجة عالية من الانحطاط والابتذال كفيلة بتصدير فكر ملوث، خصوصاً إذا كان المشاهد فتيان و فتيات في عمر الزهور. كما أن الشاشة باتت مسرح مباشر لاستعراض الاجساد، في مايسمى بمسبابقات وعروض الجمال، الأزياء، المكياج، كما وتتصدر الشاشة الممثلات والمذيعات وهن قد تركن أنفسهن شهور عديدة تحت مشارط جراحي التجميل وصالونات الزينة ونوادي التخسيس، حتى يلقين الاستحسان في نفوس المشاهدين في هذا الشهر. وهكذا ايضا أصبح شهر رمضان محطة للعروض التجارية التي تتخلل المسلسلات والمسابقات ، في عملية يغازل فيها المنتج المعلن على حساب المشاهد الذي تلقى الطعم بكل بلادة.
ليست هذه جردة بسلبيات الشاشة ومايعرض من خلالها في رمضان إنما هي أشبه بصفارات إنذار توقظ النائمين وهم في غفلة عما يخططه لهم الإعلام بمنتهى الرخص والابتذال في شهر ضيافة الرحمن، فانشغال الصائمين بهذه العروض الهدامة قتل بطئ للروحية واستنزاف متعمد للطاقة الإيجابية التي يفترض أن يزرعها الشهر الفضيل في النفوس كي يعود الناس ثانية إلى ضفاف الحياة وهم في حالة من البهجة والتفاؤل والإيمان، لا أن يكون بعد هناك عندما تنطوي أيامه، انهيار للمعنويات وإحباط نفسي وتململ يعقبه فتور وانهزامية في الروح.. وهذا للأسف هو المطلب الرئيسي الذي تزرعه فينا هذه البرامج لنبقى مستهلكين، محنطين، تموت فينا الدافعية والإبداع يوماً بعد آخر.
ليس المطلوب أن نمنع التلفاز ومشاهدة الفضائيات، ولكن الامر حقا بحاجة الى فرملة وفلترة من اولياء الامور، فالمخاطر التي تنساب الى بيوتنا عبر الهواء وتتعرض لها العائلة ، كبيرة وواسعة ودقيقة، وهي بحاجة الى تشكيل مصدات مناعية، والامر بجاحة الى وعي واسلوب ناجع وشعور بالمسؤولية قبل فوات الأوان.
|
|