تحت الضوء
في طوابير المنح المالية
|
*محمد علي جواد تقي
إنها من حقوق ابناء الشعب العراقي، هذا لا ينكره أحد ولا يماري فيه، لكن لاينكر أحد أيضاً أن الاموال التي نراها تتوزع هنا وهناك بعنوان (منح مالية) هي بالحقيقة مثل رافدي العراق ينسابان بروية وهدوء يوزعان الخير العظيم الى الاراضي الضمأى عبر روافد وسواقي من شمال البلاد وحتى جنوبه، فهل من حق احد أن يحتكر هذا الخير ويستأثر به دون اخوانه في سائر مناطق البلاد؟
لا شأن لنا في هذا الحيّز بالأولويات في مجالات لها استحقاقها من هذه الاموال والخيرات، مثل الزراعة والصناعة وقطاع الانتاج والخدمات مثل التعليم والكهرباء والصحة و... فكل ذلك من شأن الخبراء والمعنيين في السلطة التنفيذية، كما لا علينا حالياً بالدوافع وراء ذلك، لكن ماذا عن الافرازات النفسية لهذا التوجه والسلوك؟ فالذين يقفون في طوابير المنح بمختلف المسميات والعناوين ليسوا مدرسة مهدمة البنيان ومتسخة الجدران، أو محطة لتوليد الطاقة الكهربائية بحاجة الى أموال، فهم بشر يشعرون ويفكرون لذا فان تطلعهم لكميات غير معهودة من الاموال ودون مقابل تجعلهم يتجاوزون في بعض الاحيان الثوابت والقيم الانسانية، وقطعاً دونما قصد منهم، لأن كما اسلفنا فان المسألة هي حقوق لابد ان يحصل عليها المواطن في ظل الظروف المعيشية الصعبة، والنتيجة تكون ان هذا المواطن بدلاً من ان يقف في قاطع انتاجي او حقل زراعي او محيط عمل مربح ومغطي لحاجاته الاساسية، فانه يتعلم كيف يصل قبل غيره الى الموظف المسؤول عن توزيع المنح، فهو يبتسم ويتبادل الهموم مع العشرات في الطابور، لكن بعد دقائق يخرج من بين جماعته مطأطئ الرأس وقد أنجز معاملته!
نحن نطالب وندعو دائماً الى ثقافة احترام حقوق الآخرين ونعدها فقرة أساس في الدستور الاجتماعي لأي شعب ناجح ومتقدم، وكما يقال فان من يريد معرفة ثقافة شعب ما، عليه ان يسير بسيارته في الشارع وحسب، والعبرة هنا في علاقة الانسان بأخيه الانسان سواءً كان عابر سبيل أم مثله يقود سيارته وأيضاً الاجراءات والقوانين المرورية. فهل اصبحت الطوابير مقياساً ومعياراً لمعرفة الثقافة في العراق؟!
ارجو ان لا نصل الى هذا الحد، نعم... هناك شريحة واسعة من المستحقين لأن تصلهم المعونات والمنح المالية ليحفظوا بها كرامتهم ويستروا على عوائلهم من النفوس المريضة والعيون المريبة، ولا حاجة لأن نحدد هويتهم، لكن يجب ان يشعر المواطن والمواطنة انه يستلم حقه فعلاً وليس بحاجة للتزاحم والتطاول والتعوّد على الجري خلف الابواب والشبابيك لأن هذا ليس ما يستحقه العراقي حقاً.
|
|