ممثلو أنفسهم .. !
|
عبدالرضا الجاسم
دورة برلمانية انقضت، وأخرى ودعت نصف عام خفيفة الظهر من أية مسؤولية ؛ لم تشرع شيئا، ولم تجرب صداع المناقشات للخروج بقانون واحد يتيم، ولو من باب ذرّ الرماد في عيون ركبت أحلامها وتوجهت إلى صناديق الاقتراع، لتمارس حقها الحصري في منح الصفات، فمن دونها لن يحوز أحد صفة ( برلماني )، ويرتفع بحصانته البرلمانية عن اليوميات العراقية العتيدة، كالفقر والقلق بشأن المستقبل، أو الخضوع لقاعدة تطبيق القانون بقضه وقضيضه على الذوات غير المدونة في هوامش الاستثناء، وهم عموم الناخبين إلا ّ قليلا، كما لن يلتفت إلى تأخر مفردات الحصة التموينية أو اختفائها، وسوف يريح عينيه بين مدة وأخرى بالتجوال في أصقاع الأرض، تخففا من كآبة موتنا الصاخب.
وقد يظن واهم أ ننا نحسد البرلماني على هناء امتيازاته العريضة ـ لا سمح الله ـ ومع ذلك نطمئنه أن الحسد إذا كان منشؤه المواطن ـ الناخب ـ فهو مردود بحق الحصانة البرلمانية، ولن يتجاوز عنق صاحبه، ومن غير انتقاص لحق أحد، فان بعض البرلمانيين يوحي بأن المقاعد البرلمانية وظائف شاغرة يتنافس المرشحون للفوز بامتيازاتها، وإذا حصل ذلك تنتهي القصة، ويذهب كل مجتهد بغنيمة اجتهاده..
ومن البديهي أن العمل البرلماني هو صورة مبتكرة لحكم الشعب ؛ مجتمع يتم اختصاره إلى عدد محدود لتعذر إشراك الجميع في اتخاذ القرار.. وإذا كان هذا ( الاختصار ) لا يخرج إلى النور قبل أن يمنحه الناخب جواز المرور، فهو إذن ليس أكثر من ممثل لمصالح ناخبيه، ولا يتجاوز حقه أكثر من صوت واحد، كسائر أصواتهم، فهل كان جميع البرلمانيين ممثلين حقا لمصالح ناخبيهم ؟.
إن ما جرى في الدورة البرلمانية السابقة يستحق مؤونة الالتفات ؛ فإن كثيرا منهم لا دليل على وجوده غير اكتمال النصاب، كانوا أعدادا لا أكثر، ولولا معرفتنا المسبقة بعدد المقاعد لتسرب إلى نفوسنا الشك بحقيقة وجودهم، دخلوا الى قبة البرلمان تحت عباءة قوائمهم المغلقة، مجهولين جملة وتفصيلا، وخرجوا بالمجهولية نفسها، ولم تستطع أربع سنوات من عمر البرلمان أن تزحزحهم ولو قليلا بعيدا عن الظل، أشباح تتسمر على مقاعدها بهدوء يحسدها عليه الموتى، وليس من ضرر، فمقدار الامتيازات لا شأن له من بعيد أو قريب بعدد الكلمات التي يقولها، فلماذا يزعج الآخرين، أو حتى نفسه، بكثرة الجدل والنقاشات وغيرها من موجبات وجع الرأس، بل قد يكون بعضهم يؤمن بأن الظهور علنا في البرلمان ينطوي على مخاطر ليس من الحكمة أن يعرض نفسه لها، تماما كمن يسير في غابة على أطراف أصابعه خشية أن يلفت إليه الأنظار ؛ فهو شريك في المنافع فقط، أما تحمل المخاطر فانه من مناطق نفوذ المواطن، وليس من اختصاصه أن يتجاوز عليها، وأيّ شراكة أيسر غرما من هذه ؟، له حلوها وللمواطن مرها، أن تكون الانتخابات جسرا عائما للعبور إلى ضفة الرفاهية ثم يطوى مع الوعود الانتخابية، ولن يطول الأمر قبل أن ينفض حشد الدورة البرلمانية، ويخرج بوجه أبيض كالثلج ؛ لم يزعج أحدا ولم يترك في نفس ضغينة، سالما من جميع الوجوه، وعن قريب يضع جوازه الدبلوماسي في جيبه بجوار الراتب التقاعدي المهيب، وينتهي الأمر بهدوء، هكذا بلا ضجة، ولم يعلق في ذاكرة المواطن إلا ّعدد محدود من المدافعين عن حقوق ناخبيهم، هم وحدهم تتكرر أصواتهم ووجوههم، سواء في أروقة البرلمان أم وسائل الإعلام، طوال الدورة السابقة، وبقي الآخرون وجودا ضمنيا مكملا للعدد، ممثلين شرعيين لأنفسهم ولمنطق الحساب الذي يمنح البرلمان نصابه الدستوري ليس أكثر، وإذا كنا على أبواب دورة برلمانية جديدة ــ نرجو أن يكون قريبا ــ فإننا سوف نحرص أشد الحرص على مراقبة المقاعد الخلفية، فقد تعلمنا الدرس جيدا، ولا نأمن أن يعودوا .
|
|