قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

قمة الشعوب أم قمة الحكّام؟
*محمد علي جواد تقي
حسب متابعتي لتصريحات المسؤولين في الدولة، لم أقرأ او اسمع توضيحاً للشارع العراقي حتى الآن حول سبب الاصرار على عقد القمة العربية الثالثة والعشرين في بغداد. كما لو ان الساسة العراقيين سواء في البرلمان او الحكومة، لم يضعوا في الحسبان المتابعة اليومية للعراقيين لما يجري في البلاد العربية من اضطرابات هائلة في العلاقة بين الشعوب وحكامها. والعراق اليوم – كما هو واضح - ليس بلد السلطة والحاكم كما كان معروفاً عربياً، إنما بلد الشعب والنظام الديمقراطي. فهل المبلغ الضخم والخيالي (500 مليون دولار) هو لتغطية قمة الشعوب الثائرة أم قمة الحكام المتشبثين بالكرسي؟
لنبتعد قليلاً عن حديث الشكوى والتبرّم من تبذير أموال العراق على اجتماع قمة مدتها يومين فقط حتى لانضيف على هموم القارئ إثارات مكرورة من هذا القبيل، ثم نتساءل؛ هل ان العراق يريد حقاً الظهور في هذه القمة كنموذج لنظام الحكم الديمقراطي مستغلاً الحراك الجماهيري العربي فرصة لعرض هذه التجربة على الآخرين؟
لا ينسى الساسة العراقيون أنهم كانوا وخلال السنوات الماضية مادة خصبة ضمن المواد الاعلامية التي تتناولها وسائل الاعلام العربية المتعددة، وهي تعرض وتحصي سلبيات التجربة الديمقراطية في العراق، ليس أقلها مصطلح (المحاصصة) الذي أخذ مدياته في الاعلام العربي ومنه الى الذهنية العربية، وأن الديمقراطية التي جاءت بعد حكم صدام في العراق لم تجد خيمة سوى (المحاصصة) تجمع فيه فئات الشعب وتكوّن على اساسه نظام الحكم البديل عن الديكتاتورية والاستبداد، لذا من الناحية النفسية على الأقل سيدور السؤال المثير في الاذهان؛ كيف ياترى سيكون خطاب العراق – رئيس الدورة الحالية للقمة العربية- في وقت يشهد الدور الجماهيري القاهر في تحقيق تغييرات جذرية في أنظمة الحكم، بينما لم تتمكن الديمقراطية عندنا في العراق من تشكيل حكومة كاملة رغم مرور اكثر سنة على انتهاء الانتخابات وفرز النتائج؟
هذا السؤال وغيره ربما يكشف لنا أن القمة المرتقبة في بغداد لن تكون قمة الحكّام كما كانت سابقاً، كما لن تكون قمة الشعوب بالمعنى الذي نفهمه، لأن ببساطة نحن بحاجة الى عمر طويل حتى نردم الفراغ الكبير في العلاقة بين الشعوب العربية ونخبها السياسية والثقافية. إنما هي (قمة التغيير) في البلاد العربية، لكن هذا التغيير قد لا تكون فيه الشعوب صاحبة اليد الطولى في رسم خارطة طريقه، مع وجود الارادة الدولية، والامر واضح جداً فيما يتعلق بالتغيير الكبير والسريع نسبياً في تونس ثم مصر وما يجري حالياً في ليبيا واليمن و سوريا وايضاً ما يجري في البحرين من تعامل من نوع آخر ومختلف تماماً. بمعنى ان العراق – المضيف- لن يرهب القادة العرب في بغداد برفع شعار (الشعب يريد اسقاط النظام)! وفي الوقت نفسه، لن يحابي الشعوب العربية بالدعم والتحريض، إنما الموقف كما حصل في احداث مصر، عندما تريثت الحكومة العراقية أياماً قبل ان تنجلي الغبرة وترى بأم عينها سقوط حسني مبارك صريعاً أمام المتظاهرين لتعلن تأييدها للتطور الجديد في مصر! أما الموقف من البحرين فلم يكن سوى احتجاج على طريقة تعامل السلطة مع المتظاهرين، فجاء رد الفعل اكبر من الفعل بكثير، وهذا (الزعل) و الغضب من صفات الحكام الخليجيين. وإذن؛ فان الديمقراطية والتغيير في البلاد العربية – كما يبدو واضحاً- يأتي بالاتفاق بين جملة استحقاقات سياسية خارجية الى جانب الاستحقاق الاجتماعي الداخلي، فاذا كانت الديمقراطية في العراق على شكل (محاصصة) يمكن ان تكون في بلد عربي آخر تحت عنوان آخر ايضاً. وهذا تحديداً ما تريده الولايات المتحدة الامريكية من العواصم العربية جمعاء. فلا مطالبات بأمور مثل (القيم) و (المبادئ) و(التراث الحضاري الاسلامي)، لأن هذا لاينسجم مع اللغة السياسية السائدة.