قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

أين حقي؟
محمد علي
للإسلام رؤية سامية حول حقوق الإنسان لا ترتبط بزمان أو مكان ولا باللون أو العرق أو الجنس، وقد أعطى ربنا عز وجل امتيازات خاصة عندما أمر الملائكة أن تسجد لهذا الإنسان وعندما اختصه بتكريم إلهي فقال ربنا عز وجل: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً"، وإضافة لذلك اختصه بحرية الإرادة والعقل. وفي الوقت الذي اختص الإسلام الإنسان بهذه الامتيازات فإنه طلب منه عدم التنازل عنها أو التفريط فيها لأن ذلك يلغي إنسانيته ويجعله عرضة للمهانة أو الإذلال، ولكنه أيضاً دعاه للالتزام بالأخلاق والتواضع واللين والرفق في التعامل مع الآخرين حتى أن الرسول لخص الالتزام بقيم الدين في حديث رائع يعبر عن رؤية الإسلام في الحياة والتعاطي مع الناس حين قال: "الدين المعاملة".
إن الطريق لبناء مجتمع عزيز يبدأ من خلال تبني ثقافة سليمة قائمة على احترام حق الناس في الحياة الحرة الكريمة التي تتمثل في قيم العدالة والمساواة وصيانة الحقوق على كل صعيد وتنعكس هذه الثقافة من خلال سلوك عملي يمارس على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وهو ما يترتب عليه تغيير الكثير من المفاهيم المغلوطة التي تحولت إلى أعراف حاكمة أدت بشكل كبير ليس فقط لعدم صيانة الحقوق وقيم الدالة والمساواة وإنما إلى ضياعها.. نتيجة الأعراف الخاطئة التي تحولت إلى قوانين رسمية او حتى اجتماعية في كثير من الاحيان، لا ترتكز إلى قيم حقيقية سواء في ثقافتها أو في تطبيقاتها على أرض الواقع.ولذا فأن المواطن في بلدنا كان منذ عقود ولايزال الى اليوم يتساءل: "أين حقي؟"، وهو تساؤل ممزوج بالمرارة لأنه يرتبط بأكثر من بعد واحد، فأين حق المواطن في ثروات بلده، في التخلص من براثن الفقر والبطالة، وفي الحصول على فرصة العمل التي تناسب مؤهلاته بكرامة وشرف، او قطعة ارض لسكن لائق وكريم، وهكذا الحصول على باقي حقوقه بل وحتى (تمشية معاملاته) دون أن يظطر الى دفع رشاوى او البحث عن واسطة..
إن الاهتمام بحق الناس وتمثيلهم تمثيلا حقيقيا صادقا مخلصا لا يتمثل في الشعارات والوعود الانتخابية او الحكومية، وإنما يحتاج إلى مصداقية يراها الناس وتبرهن عليها السياسات التي ترتبط بحاجات الناس واحترام مشاعرهم والحفاظ على كرامتهم فبدلا من جعلهم "متسولين" على هذا المشؤول وتلك الوزارة ينبغي أن نجعلهم "متمولين" من خلال توفير فرص العمل والعيش الكريم وضمان حق الجميع في الثروة عبر نظام عدالة اجتماعية حقيقي ملموس.
وبدلاً من معالجة الأمور من خلال سياسة "المنّ" عليهم في حال انجاز أي أمر بسيط في الدولة، او عبر ثقافة "المكرمات" والهبات والمنح، فأنهم قبل ذلك بحاجة إلى فهم مطالبهم ومشاعرهم واحترام وصون كراماتهم من خلال المعاملة الطيبة الصادقة التي تنعكس في ممارسة على أرض الواقع على كل صعيد، فمن غير المعقول ولا المقبول هذا الإفراط المستمر في التعاطي مع الامور من خلال الوعود والتصريحات او تبرير الفشل والاخطاء، بأسلوب لا يتناسب مع ما نقول وما نصرح به وما نضعه من قوانين، وسواء نظرنا إلى ما يحصل من زاوية إسلامية أو حقوقية أو إنسانية فإن الدين والعقل والمنطق يقول أن حق المواطن في وبشكل خاص طبقة الفقراء الواسعة، ينتظر الفرج ولذلك لا تستكثروا عليه سواء كان شيخاً أو شاباً أو امرأة وحتى إن كان طفلاً أن يقول "أين حقي؟".