قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
ظاهرة/
امرأة تعزل محافظاً !؟
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة بدر الشبيب
يقول أبو العلاء المعري في بيت مشهور:وإني وإن كنت الأخير زمانه/ لآت بما لم تستطعه الأوائل ؟!.
لو ترجمنا هذا البيت إلى إحدى لغات الدول المتقدمة لضحكوا علينا ولسألونا متهكمين: ما الجديد في هذا البيت؟ أليست طبيعة الحياة أن يأتي المتأخر بما لم يستطعه المتقدم حيث تراكمت لدى المتأخر الخبرات واستفاد مما وصل إليه المتقدم وبنى عليه؟! أليست معرفة المتقدم جسرا للمتأخر للعبور إلى أرض عذراء جديدة لم يكتشفها المتقدم؟! إننا في كل يوم بل في كل لحظة نشهد اكتشافا جديدا أو تطويرا لمخترعات سابقة في مختلف المجالات، ويكفيكم ما يشهده عالم الاتصالات من ثورة تكنولوجية لا تتوقف أبدا؟! إذن ما الجديد لديكم في هذا البيت الذي تفخرون بترديده؟!
في الواقع لا أملك جوابا مقنعا على هذا السؤال المستفز إلا الواقع المر الذي نعيشه، والذي يشهد انتكاسات متوالية تواليا هندسيا على مختلف الأصعدة. صحيح أننا ننتمي زمانيا ومكانيا للقرن الحادي والعشرين الميلادي، الخامس عشر الهجري، ولكننا في واقع الحال نعيش في عصر برزخي خاص بنا، عصر اخترعته أوهامنا ورضينا به، عصر لا يعرف قيمة الإنسان ويدعي أنه يعرف خالق الإنسان!؟، عصر يمجد الذل والهوان ويمتهن الكرامة ويدعي اتصاله بالله العزيز الجبار المتكبر!؟، عصر أصبحنا فيه شيعا متفرقين يذيق بعضنا بأس بعض على النية والهوية وندعي اتصالنا بالله الواحد الرحمن الرحيم !؟.
أين تجليات الرحمة في سلوكنا العنفي؟!، وفي ثقافتنا الإقصائية ؟!، وفي اقتصادنا الذي ينجب الفقراء المعدمين بالملايين؟! أين نحن وأين إسلامنا؟!.. وحتى لا أتيه في الدروب الوعرة سأضرب مثالا بالمرأة بين الأمس واليوم.
لا يزال الجدال حتى اليوم محتدما في أوساط مجتمعاتنا حول حق مشاركة المرأة في المجالات السياسية والاجتماعية، ولا يزال الرجل نفسه يبحث عن مشاركة حقيقية !؟، بينما كانت المرأة قبل 14 قرنا تمارس هذا الحق ممارسة فعلية تدعو للإكبار والإجلال، ولعل فاطمة الزهراء عليها السلام بدورها الريادي قد فتحت الطريق أمام المرأة لتدافع عن حقها بل وحق الآخرين وأن تساهم بشكل إيجابي في الوقوف مع الحق عندما يستدعي الموقف مشاركتها. ومثالنا على ذلك سوادة بنت عمارة الهمدانية التي جاءت من اليمن إلى الكوفة لتقابل الإمام أمير المؤمنين عليا (ع) لتشكو إليه ما صنع أحد الولاة أو لنقل "المحافظ" بحسب اصطلاحنا الراهن، تقول:" فوجدته قائما يصلي، فلما نظر إلي انفتل من صلاته، ثم قال لي برأفة وتعطف: ألك حاجة؟ فأخبرته الخبر فبكى ثم قال: اللهم إنك أنت الشاهد عليّ وعليهم، إني لم آمرهم بظلم خلقك ولا بترك حقك، ثم أخرج من جيبه قطعة جلد كهيئة طرف الجراب فكتب فيها: بسم الله الرحمن الرحيم قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين. بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين. وما أنا عليكم بحفيظ. إذا قرأت كتابي فاحتفظ بما في يديك من عملنا حتى يقدم عليك من يقبضه منك والسلام".
هكذا رجعت من الكوفة مرفوعة الرأس تحمل في يدها قرار عزل الوالي ـ المحافظ ـ الظالم، وبعد استشهاد أمير المؤمنين (ع) ذهبت في مهمة مماثلة إلى الشام لتقابل معاوية بن أبي سفيان (لع)، لتحتج على ما فعله جيشه بقيادة بسر بن أرطأة (لع) في اليمن من بطش وقتل وانتهاك للحرمات أو جرائم حرب بحسب الاصطلاح الحديث، ولتطالب بعزله قائلة لمعاوية: فإما عزلته فشكرناك، وإما لا عرفناك!.فرد عليها معاوية بكلام يتوعدها فيه بإعادتها إلى اليمن إلى خصمها بسر بن أرطاة لينفذ فيها حكمه، وقال لها: أتهدديني بقومك، لقد هممت أن أحملك على قتب أشرس (أي على بعير سيء الطبع) فأردك إليه ينفذ فيه حكمك. فتذكرت موقف أمير المؤمنين (ع) وقارنت الموقفين، وأين هذا من ذاك، فقالت مستعبرة:
صلى الإله على جسم تضمنه/ قبر فأصبح فيه العدل مدفونا
قد حالف الحق لا يبغي به بدلا/ فصار بالحق والإيمان مقرونا
سألها معاوية وهو يعرف جوابها: ومن ذلك؟. قالت: علي بن أبي طالب (ع). قال: وما صنع بك حتى صار عندك كذلك؟. فقصت عليه قصتها التي ذكرناها آنفا، فقال معاوية مستاء مما فعله علي (ع) معها: لقد لمظكم (أي عوَدكم) ابن أبي طالب الجرأة على السلطان، فبطيئا ما تفطمون!. هكذا لخص معاوية القضية ووضع الحل الناجع لها، فالمشكلة ليست في الوالي الظالم بسر بن أرطاة، المشكلة في أن عليا (ع) منح الناس مساحة واسعة من حرية التعبير والمساءلة، وأن الحل كما يراه معاوية وضع خطة لفطام الناس من ممارسة هذه العادة السيئة حتى لا يتفوه أحد إلا بما يرضي السلطان، وليتحول المجتمع الإسلامي إلى طبالين ومتزلفين يرقصون في حضرة بلاط السلطة. ترى أين نحن من هذا المثال الناصع لتحمل الدوربكل مسؤولية واقتدار كمل قامت به هذه المرأة ؟! أفلا يحق لنا مع ما نشهده من رداءة الواقع.. ألا يحق لنا أن نفخر بالماضي !؟، وأن نردد مع الأسف الشديد وحتى إشعار آخر بيت المعري سالف الذكر..؟!