الدكتور مصطفى جواد. . شاعراً
|
*محمد كاظم الكريطي
عُرف مصطفى جواد كواحدٍ من أبرز أعلام نهضة العراق في العصر الحديث وموسوعة معارف وعلوم شاملة في اللغة والنحو والتصريف والبلاغة والاخبار والسير والقصص والتاريخ والوفيات والكتب والرجال والخطط والبلدان والآثار حتى عُد (نحوي العراق ولغوي الامة في هذا الجيل) و (فيلسوف قواعد اللغة العربية)، وقد أسهم كثيراً في نشاط المجمع العلمي العراقي منذ تأسيسه وانتخابه عضواً فيه عام 1949 وشارك في كل مؤتمراته ودوراته كما خلف ثروة علمية وادبية عظيمة وآثار في علم النفس الى جانب ابحاثه وتحقيقاته، واضافة الى كل ذلك كتب الدكتور مصطفى جواد الرواية والقصة والشعر إذ نشر عام 1928 رواية بعنوان (قاتل اخيه) ثم نشر بعدها قصة بعنوان (النمر البشري) في مجلة لغة العرب. اما رحلته مع الشعر فقد بدأت منذ بواكير حياته العلمية وهو لم يزل طالباً في دار المعلمين الابتدائية 1921 ـ 1924 ونشر بعضاً من شعره في مجلة (الدار) وقد اورد الاستاذان محمود نديم المحامي و وحيد الدين بهاء الدين نماذج من اوائل شعره في جريدة (الجمهورية) في 30/ 12 /1969.
بعد تعيين مصطفى جواد في المدارس الابتدائية عام 1924 نشر شعراً وطنياً أثار فيه الحماسة وهو يدعو الشعب لمناصرة الثائر الجزائري عبد الكريم الخطابي ايام محاربته الفرنسيين في الجزائر وكان ينشر اغلب شعره آنذاك في مجلة المعلمين كما نشر في جريدة الاوقاف البصرية واسهم كذلك في الحركة الشعرية طيلة إقامته في البصرة وفيها القى قصيدته في الاحتفال الكبير الذي اقيم اشادة ببطلولة الخطابي وتنديداً بأسره من قبل القوات الفرنسية والتي يقول فيها:
اسروه مرفوع الجبين مكللاً
بالغار بالحمدِ الجليلِ خليقا
لاتحزنن فقد لبثت مدافعاً
ردحاً أبنت خلاله التفويقا
حتى اتيت بمعجزات صيتها
عمّ البلاد وجاوز التصديقا
هذه الجزائر هل رأيت عرامها
عِبراً فزرها تدرك التشويقا
وهي قصيدة طويلة نشرها الدكتور يوسف عز الدين في كتابه (شعراء العراق في القرن العشرين) تحت عنوان (البطل الجزائري.. الاسير المجهول) ج1 (ص174ـ 175).
بعد انتقال مصطفى جواد الى بغداد بدأ ينشر شعره في مجلة لغة العرب كما نشر شعره السياسي في جريدة (العراق) وشعره الاجتماعي في جريدة العالم العربي اما أولى قصائده المنشورة في مجلة (لغة العرب) فهي عبارة عن قصة شعرية تجزأها عناوين فرعية مستعيناً بالبناء القصصي. ومن خلال استقراء البدايات الشعرية للدكتور مصطفى جواد نرى انه تجاوز الشعر الوصفي الذي كان دأبه في بداياته والذي شاع في تلك الفترة الى اغراض اكثر أهمية عالج فيها كثيراً من الاوضاع الاجتماعية والسياسية ولاسيما شعره الوطني في مناصرة الثورات العربية ضد الاحتلال كما مرت الاشارة اليها، وله في ذلك قصائد كثيرة يقول في احداها:
يارابضاً وبه الآمال تصطخبُ
ان قيل ممن؟ يقل آبائي العربُ
انت البقية من قوم ذوي عظم
اوهاهم العجز والتفريق والصب
ملّوا الجهاد فتاهو في عماتيهم
واحجموا عنه لاعِزّ ولاخبب
كما لم تفته الاحداث السياسية التي عاشها العراق والتي شكلت بدايات حركة التحرر الوطني من قيد الاستعمار فكان له نصيب في ثورة العشرين ضد الاستعمار البريطاني وله فيها قصيدة طويلة يقول عنها الدكتور يوسف عز الدين في كتابه (الشعر العراقي الحديث واثر التيارات السياسية والاجتماعية فيه) ص153: (هي القصيدة الوحيدة التي وصفت الثورة في مناطق العراق المختلفة غير بغداد وقد وجدتها في ديوان الشاعر مصطفى جواد والذي لايزال مخطوطاً) يقول الدكتور مصطفى جواد يصف الاحداث:
ثبتنا في مواقف محرجات
ولاقينا مدافع وانفجارا
وذدنا عن حمى وطن مباح
ورمنا من معاركنا انتصارا
ويستمر الدكتور في وصف الاحداث حتى بعد الثورة حيث يصف الاعمال التي قامت بها سلطات الاحتلال الانكليزي فبعد ان استولت على مدينة الخالص أسروا جميع القادرين على حمل السلاح وكتفوهم وقتلوهم سراً، أربعة أربعة! ثم القوا بهم في الطرق والمخارج والمداخل لاثارة الرعب حتى تفسخت جثثهم ولم يجرأ احد على دفنها حتى رجع الفارون بعد العفو العام فدفنوهم، يقول الدكتور يصف هذا الحال:
شباب اعرسوا بالموت مرداً
وكان رصاص قاتلهم نثارا
وتابعهم كهول القوم زفاً
فوا حزناً لمن تركوا الديارا
وكان يتألم لحال الشعوب العربية وهي ترضخ تحت نير الاستعمار الاجنبي يقول في إحدى قصائده
ألا قومنا اتخذوا الجهودا
سبيلاً يبلغ الوطن السعودا
وكونوا راكنين الى اتحادٍ
يكون لشعبكم ركناً وطيدا
فما أجدادنا العرب الاوالي
سوى قومٍ بدوا قبلاً اسودا
وفي هذه القصيدة يثبت الحماس في دماء الشعوب العربية للثورة ضد المحتل فيتصاعد بالنبرة الحماسية:
فما للحق في الدنيا وجود
اذا لم يظهر البأسُ الوجودا
فقاوم ما استطعت ولُذ بحربٍ
ضروسٍ تُسكن الخصم اللحودا
وناضل للبلاد نضال حرٍ
شجاعٍ رام للعليا صعودا
واضافة الى شعرة الوطني فقد كان متابعا بشعره الاوضاع الاجتماعية ويطالب فيه بأصلاح حالة الفلاح المزرية في ذلك الوقت، يقول من احدى قصائده في ذلك:
ضجّ الفقير وضاق أمرا
والجوع كاد يكون كفرا
أسماله وعياله الجو
عى تُركن العين عَبرى
وكان مبدأه السلمي في الحياة يجعله يكره الحرب كل الكره ويصفها بأشنع مقدور!
الحرب اشنعُ مقدور على الأمم
شر المقادير ما أفضى الى العدم
|
|