قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

لكي نضع الجيل القادم على طريق النور
*كريم الموسوي
تبدأ تربية الإنسان لغيره، منذ أن يعمد هو إلى تربية نفسه، على ضوء منطق ما، وطريقة ما.. فلا يصح أن نتوقع من الطفل أن يستقبل ويستوعب طريقة تربوية ما قبل أن نكون نحن الوالدان مقتنعين بما نقدمه من نهج تربوي وسلوك صحيح. هذه القاعدة يشيدها القرآن الكريم في الآية الكريمة: "ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم".
وهذا هو النسق العام والقاعدة المتداولة في الشأن التربوي، ما خلا ذلك يمكن أن يعتبر استثناءً، والأمر سيّان، إن بالنسبة للتربية الصحيحة والهدف الصحيح، وإن بالنسبة للتربية الخاطئة والغاية الباطلة.
فعملية التربية - إذن- لاتبدأ حينما يبدأ الطفل بفهم الإشارات والكلمات، إنما تبدأ منذ أن يلتزم الشخص الكبير بما يريد أن يربي عليه طفله. فامرأة عمران قد وطنت نفسها على حب الخير، و قطع العبودية لله وحده لاشريك له، ثم أرادت لجنينها أن يكون محرراً خادماً في سبيل الله، كما تشير الآية القرآنية القائلة: "إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا * فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا".
وفيما يتعلق بما نحن بصدده، أي كيفية تربية أولادنا وأجيالنا على حب أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، وعلى حب الخير والحق، وطرد الافكار الباطلة عن اذهانهم، فالأمر لا يبدو صعباً أو مستحيلاً، إذا ما قرر الأبوان أن يحبّا هما أهل البيت عليهم السلام أولاً، ويكرسا ويختزلا في نفسيهما مداليل هذا الحب ومعطياته، قبل أن يتقدما بالخطوات العملية لتربية ولدهما، خصوصا وأن هذه المحبة المطلوبة واللازمة قد فرضها الله دائمةً، وجعلها الأجر المناسب والجميل للرسول المصطفى صلى الله عليه وآله في ذمم المسلمين فقال عز اسمه: "قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى". فحريٌّ بالآباء والأمهات أن ينطلقا من قاعدة إدراك معاني حب آل البيت ومودتهم، إذا ما أرادوا تربية أولادهم. ولا تتأتى هذه المودة- باعتبار منزلتها ومقامها الشامخين والمقدسين- وبالصورة المطلوبة والمعقولة، مالم يتم التعرف على حقيقة الإمام ومقامه عندالله تعالى، وما أولاه من المراتب والكرامات، في الدنيا والآخرة..
ولاريب أن توفيق الحصول على هذه المعرفة، يتفاوت بتفاوت خصائص الناس وحقائقهم، ولكن المطلوب أولاً وأخيراً أن يسعى المرء بما لديه من مستوى إلى التعرف على أئمة دينه المعصومين وقادته إلى ربه، وقد ورد في الحديث الشريف: (من لم يعرف إمام زمانه، مات ميتة جاهلية). فإن تسنى للإنسان معرفة إمامه، وأحبه بما يوازي هذه المعرفة، استطاع - كمرحلة أولى- أن ينقل لأولاده هذا الحب وتلك المعرفة.
النور و الفطرة النزيهة
اتباعاً للحكمة القائلة: (شبيه الشيء منجذب إليه)، نعرف أن الطفل بطبعه يتسم وبالبراءة والعصمة لأنه لم يتعرف في بداية حياته على المحرمات والمعاصي ولم يمارسها، لذا نجد عدم معاقبته على ما يرتكب من اخطاء. وإذا ما عالجنا موضوع التربية علاجاً متكاملاً، فإن من المتوقع أن يأنس الطفل بالصفات الخاصة بأهل البيت عليهم السلام.
فهم نور، والطفل يكره الظلام.
وهم حق، والطفل لاتزال فطرته فطرة نزيهة.
وهم حبٌ وعاطفة، والطفل لايعرف البغض والحقد.
وهم معصومون، والطفل بريٌ من الموبقات.
وهم جنة، والطفل يحب المرح والسعادة والحبور والغبطة.
وعلى نقيض هذا كله، يقف أعداء أهل البيت عليهم السلام.
وعليه؛ فإن أمامنا - آباء وأمهات- فرصة لاتثمّن، من شأنها تسهيل المهمة التربوية والتعليمية، لوجود التناغم الكبير بين طبيعة الطفل، باعتبارها أرضية خصبة لتقبل وتلقي حب العترة المطهرة، وبين حقيقة هذه العترة. وهذا الأمر يضاعف مسؤولية الوالدين في النهوض بمستواهم الثقافي والروحي، لاجتذاب الطفل وتوطيد تعلّقه بالحق والخير وأهله، ونعني به: أهل البيت عليهم السلام.
طرق تربوية
هناك طرق وأساليب عديدة لتكريس حب آل البيت عليهم السلام في نفوس الأطفال، منها:
1- التحدث لهم عن قصصهم وأخبارهم بما يتناسب وأعمارهم.
2- تعليمهم حب الخير، كمقدمة لتحبيب المعصومين لقلوبهم، لأن الخير الحقيقي انعكاس تام لهم عليهم السلام.
3- تثقيفهم بثقافة الأئمة، عبر اصطحابهم للمجالس الحسينية ومجالس مواليد الأئمة. وجعلهم يعيشون أجواء الإيمان، وتحفيظهم الأحاديث النبوية الخاصة بحب أهل البيت عليهم السلام، وتعريفهم بالجزاء الدنيوي والأخروي المعد لمن يحبهم ويودّهم، إضافة إلى سرد قصص طفولة الأئمة لهم، ليتخذهم الطفل قدوة في سلوكه.
وعموماً، يلزم بالوالدين خلق الحافز في أطفالهم لطلب المزيد من المعرفة بأهل البيت، بعد أن يترجموا لهم معاني الإيمان والنبل والشرف والكرم والشجاعة ومجمل الصفات الجميلة والرائعة التي يمتاز بها المعصومون عليهم السلام. وليس أشرف وأسمى من شخصيات أهل البيت، ليتربى الأطفال من خلالهم على معاني وآفاق الحب وصورته المشرقة في الحياة.
فالطفل؛ يجب أن يتربى على حب النبي وأهل بيته، لأنهم هم أهل الدين، وأقرب الخلق إلى الله، وهم الوسيلة العظمى لمن يريد أن يحب الله ويحبه الله، ولأنهم هم أهل الخير والفضائل، وهم الذين يعلمون البشرية أسس وتفاصيل الحياة الطيبة، ولأنهم قد تعرضوا لأبشع أشكال الظلم والتعدي، من قبل أعدائهم المتجسدة فيهم كل خصال الشر والرذيلة.
وبدلاً عن الفراغ القاتل الذي تعانيه عوائلنا، في العراق خصوصاً، وبدلاً من التفنن في تضييع العمر الثمين في مجالس البطالة والمقاهي، وبدلاً من استعمال اللسان في التفاخر بالآباء والأجداد، وبدلاً عن كل أشكال التفاهة من الغيبة والنميمة والحرام والانكباب والتكالب على توفير لقمة العيش وملء البطون وجعلها هدفاً لا وسيلة لتحقيق الغاية الأسمى من خلقة الإنسان ووجوده في الحياة...
بدلاً عن كل ذلك؛ ليعمد الآباء والأمهات إلى استهداف خلق وصناعة جيل جديد، يهجر الجهل والذنب وتفاهة العيش، فيتحملوا مسؤولياتهم الحقيقية، فيعلموا أطفالهم معاني الحياة الصحيحة، ويربونهم على حب ومودة النبي وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين. وذلك ضمن منهج مدروس ومنظم ومتدرج.