الدعاء في القرآن الكريم
دعاء (أهل الكهف)
|
*صادق الحسسيني
حينما يعيش المؤمن في مجتمع يعاني التحلل الخلقي واللامسؤولية الاجتماعية والسياسية ومطبوع على الخنوع والرضوخ للامر الواقع، يجد نفسه وحيداً غريباً لا يقوى على مفاتحة أحد بما يعتلج في صدره، بل احياناً يجد صعوبة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عند ذاك يتعلق قلبه بشيء كتعلّق الغريق بخشبة وسط البحر الهائج. انه يتعلق بالواحد القهار المتجبر المتعال، ليكون له خير عونٍ على دفع المكاره واصلاح الامور.
فلا يدفعه الهوى الى مسايرة سائر الناس و الانجراف بسيل الانحراف بل يحكم عقله ليصل الى حقيقة العبودية لله، وأول خطوة هي الابتعاد قليلاً عن المجتمع والركون الى زاوية بعيدة بعد التوكل على الله تعالى، والتخلّي عن المتعلقات الدنيوية والعلاقات الاجتماعية الوطيدة والتطلع الى آفاق السماء.
هكذا صنع (اصحاب الكهف) الذين وردت قصتهم المثيرة والعجيبة في القرآن الكريم وباتوا حديثاً للاجيال والأمم، فتية آمنوا بربهم و تركو كل ما لديهم و التجأو الى خالقهم فهم بين راعي و وزير تركو ما يملكون والتجأو الى الكهف و ما التجاؤهم هذا الّا دليل على عمق ايمانهم بربهم و له من المعاني ما لا يسع المقام ببيانه. و بعد أن التجأو الى الكهف دعو ربهم قائلين: "رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَ هَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً".
بهذا الدعاء و هذا الموقف يعلمنا اصحاب الكهف الأجلاء أدبين من آداب الدعاء لنتقدي بهم:
الأول: أنّ من شروط استجابة الدعاء التيقن بأن الاجابة قريبة، و الايمان بأنّ الرب جل وعلا مجيب الدعوات، فهم حينما التجأو الى الكهف لم يفكروا بكيفية توفيرالطعام والملابس وماذا سيفعلون؟ بل ما هي المدة التي تستغرق وجودهم في الكهف وهو مكان موحش ومنقطع عن الناس وعن الحياة العادية. لذا نراهم، كما يصور لنا القرآن الكريم قصتهم، وقد دخلوا الكهف باطمئنان كامل وايمان عميق بان رب السماء سبحانه معهم، حينها رفعوا ايديهم بالدعاء.
الثاني: أنهم حين أرادوا الدعاء انقطعو الى بارئهم تعالى فخلّصو قلبهم من كل شائبة أو تعلق بالماديات أو بأي شيء من دونه عزوجل، فلا اهل ولا سلطان ولا عشيرة وإنما اطلقو ندائهم من ذلك الكهف المعزول في تلك المنطقة القفراء الى الله تعالى و دعوه أن يعطيهم أمرين:
الأول: الرحمة حينما قالو (ربنا آتنا من لدنك رحمة) أي الخير و التقدم، و كل ما في الحياة من أسباب السعادة و الفلاح، و لو تأملنا قليلاً ما تضم هذه الكلمة في طياتها من آفاق واسعة فهي كلمة واحدة ولكنها تحمل الكثير من المصاديق، ثمّ انهم لم يبتغوا الرحمة من أي شخص سوى الله ولذلك قالو "من لدنك" لأنّها لو كانت عند غيره ما طلبوها.
الثاني: ان يهديهم الى الطريق السوي صحيح، لان فطرتهم أوضحت لهم ان طريق قومهم خاطئ، و لكنهم لم يكونوا يعرفون الطريق البديل. و قوله تعالى: "وَ هَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً". يدل على ذلك. و المراد من (أمرنا)؛ الشأن الذي يخصهم وهم عليه و قد هربوا من قوم يعبدون الاوثان من دون الله الواحد، و يسفكون الدماء، فهم التجأوا إلى الكهف و لا يدرون ما ذا سيجري عليهم؟ و لا يهتدون أي سبيل للنجاة يسلكون؟ و من هنا يظهر أن المراد بالرشد الاهتداء إلى ما فيه نجاتهم، فهم مسلموّن امرهم الى الباري عزوجل، و كلهم أمل و اطمئنان بأنه تعالى سينصرهم و سيتجيب دعاءهم .
ثم ان اصحاب الكهف هيئوا كل المقدمات و من ثم دعوا ربهم فاستجاب لهم ما يعني ان من شرائط استجابة الدعاء أن يخطو الداعي بخطوة الى الامام نحو ربه حتى ينصره تعالى، و هو ما نجده في قصة العجوز التي كانت تبكي و تتضرع الى الله بأن يشافي بعيرها المصاب بالجرب و حين مرّ عليها الرسول الخاتم (ص) قال لها: هلّا اضفت لدعاءك شيئاً من القير! وكان علاجاً للجرب آنذاك، و هكذا على المؤمن ان يعمل ما بيده ثم يدعو من الله ان يرشده في ما بقي منه... و هكذا لو مرضنا أو افتقرنا أو اصابنا داء نسعى من اجل الخلاص و ندعو عسى أن يرحمنا ربنا.
|
|