تحت الضوء
عنف الأدمغة و الشاشة الصغيرة
|
*محمد علي جواد تقي
نتفاجأ ونُستفز أحياناً بالشاشة الصغيرة وقنواتها وهي تبث برامج تتضمن مشاهد عنف ودماء وأخبار المشاحنات الطائفية وما أشبهها من البرامج ذات الانطباع السيئ والسلبي، ولنا الحق في انتقاد القنوات التي تلجأ الى هكذا وسيلة للبقاء فترة أطول أمام أنظار المشاهدين، سواءً في العراق أو في البلاد الأخرى، لأن من جملة المشاهدين أبنائنا الصغار وعوائلنا الذين يرومون قضاء الساعات الأخيرة من الليل في أمور تزيل عنهم عناء ساعات النهار، طبعاً المسؤولين والممولين في تلكم القنوات لهم مبرراتهم الجاهزة، بانهم لا يأتون بشيء مختلق، إنما هو من واقع العراق اليومي! وهو مبرر فيه الكثير من النظر، لكن لا علينا، ولنؤجل الرد على هذا التبرير الى وقت مناسب آخر.. فنحن أمام مهم وأهم، والأهم هو تسليط الضوء على المنهج والعقل المدبر الذي يوجه الأقلام ويحرك عدسة الكاميرا ويلقّن المندوب أو المندوبة وهما يتجولان بين الأزقة والمناطق السكنية ويتحدثون الى الناس والى المسؤولين أيضاً.
من الجيد أن تعقد الندوات وتطرح الدراسات والمحاضرات على مائدة البحث العلمي والأكاديمي حول ظاهرة التحريض على العنف و الكراهية الطائفية من قبل القنوات الفضائية وعموم وسائل الاعلام، ونحن نتوسم خيراً بهكذا جهود فهي لاشك تترك أثرها على أداء وسائل الاعلام، لكن من الجيد أيضاً أن نتسائل عن سبب عدم اهتمام وسائل الاعلام بفكرة اللاعنف وترويجها ولو على الصعيد الاجتماعي، بقطع النظر عن أدلجة الفكرة وإعطائها أبعاداً أوسع..؟ فمن النادر أن نجد قناة فضائية أعدت برامج اجتماعية أو ثقافية تحثّ على مفهوم اللاعنف وتدعو الى بناء علاقات اجتماعية تسودها المحبة والألفة.. وهناك من يقول: بان هذا الكلام منشأه الكتب والنظريات الثقافية والفكرية وحدودها المكتبة و رفوفها وحسب، لأن الواقع يقول: إن لغة الناس هي القوة، بأشكالها.. من قوة المال والجاه والافراد وغير ذلك، لكننا نقول العكس: فان اللاعنف والسلم الاجتماعي من الركائز الحضارية لأية أمة ناهضة، كما شهد العالم ذلك في بدايات تألق الحضارة الاسلامية، إذن، فان الصورة النمطية للمجتمع العراقي وإن كانت صحيحة في بعض مواردها فانها هي التي يجب أن تكون في حدود أدمغة اصحابها، لأن الناس الذين تجاوزوا حقبة حزب البعث يريدون طيّ صفحة الثقافة البعثية أيضاً، فلا يمكن لأية قناة فضائية أن تستدرج عراقياً صغيراً كان أم كبيراً وأن تسجل له استحسانٌ لحالة العنف وانتشار الكراهية بين اوساط المجتمع، وعليّ أن أسجل إكباري وتقديري للطفل العراقي الذي كان يرسم على قارعة الطريق وعندما سألته مندوبة (عراقية) من قناة الجزيرة للأطفال، عن موضوع لوحته، فقال: إنها مسجد. فسارعت للإستفهام عن أي مسجد يكون؟! كما لو أن مفردة المسجد غامضة لموضوع لوحة رسم، وقالت له: هل هو مسجد شيعي أم سنّي؟! فما كان منه إلا أن ردّ بشجاعة: إنه مسجد .. ولا فرق بين أن يكون شيعياً أو سنيّاً فالجميع يصلون فيه.
إن هذا الرد الصاعق والكبير من طفل صغير لم يتجاوز الثانية عشر من العمر – حسب تقديري- لم يوجه الى تلك المندوبة أو الفريق الصحفي، وإنما هو رسالة الى من يقف وراء هكذا برامج والى من يموّلها خارج الحدود وفيما وراء البحار، وربما تكون هذه الرسالة حافزاً لنا لأن نطلق رسائل أشد وأقوى الى تلكم العقول والأدمغة، على الأقل للتأكيد على إن العراق والعراقيين ليسوا كما يفكرون هم، إنما لهم عقولهم وثقافتهم ذات الجذور الحضارية، وما كان دخيلاً ومقحماً عليهم في السابق وبقوة السلاح والإكراه فقد ولّى وعاد من حيث أتى وإنشاء الله من حيث لا رجعة.
|
|